عبد الغني طليس
ممّا لا شكّ فيه أن الموهبة لا تورّث، كما أنها لا تولد من العدم. ومن المؤكد أيضاً أن الشخص الذي ينشأ في منزل فنان، يكون اكثر التصاقاً بحيوية ابداعية تأتي من طبيعة الأعمال التي يشارك فيها الوالد أو الوالدة، أو من المناخ الذي يسود المنزل والذي يدخل الأبناء إلى قلب الحياة الفنية.
غير أن الفن ليس قدراً على أبناء الفنانين كما يحصل عادة في عالم السياسة. انه اختيار، قد يعود إلى الأضواء التي تجذب الابن من جهة، وتعلّقه بمهنة والده من جهة أخرى. ولأن الفن في بيروت لا يطعم خبزاً، ارتبط دخول الأبناء إلى الوسط الفني بتأثرهم الواضح بذويهم، وهو ليس من أجل كسب المال كما يحصل عادة في عواصم أخرى حيث تدرّ صناعة الفن على أصحابها ذهباً. في لبنان، هناك عائلات فنية منها الرحابنة... من عاصي وفيروز وزياد وريما الى منصور ومروان وغدي وأسامة الى الياس وغسان وجاد. وهناك أيضاً فنانون نجحوا في استقطاب أحد أفراد العائلة إلى دائرة الضوء. وغالباً ما يدخل الابن مع الوالد أو الابنة مع والدتها، في مقاربة مستحبة قد تذكي شعور المنافسة لدى الابن حتى يثبت قدراته ويخرج من قيود والده ودائرة اتهام النقاد.
يورغو شلهوب مثلاً، ليس نسخة عن والده جورج، علماً بأن ثمة تشابهاً في أسلوبيهما الأدائي. يورغو صاحب نبرة صوت اكثر صفاء من والده، وملامحه الادائية تميل الى “الاستعراض”، تشتدّ حيناً وتخفّ حيناً آخر تبعاً لقدرته على السيطرة عليها، لكن أداء الوالد يفتقر إلى هذه السمة.
ليليان نمري لا تشبه أيضاً والدتها الراحلة علياء نمري في اي ملمح أدائي، كما أنها لا تنتمي إلى مدرسة والدها الممثل الراحل “شرنو” في الكوميديا. البساطة والعفوية تجمع بين ليليان وعلياء، لكن الأولى ذهبت بهما الى الفكاهة وخفة الظل، فيما وظفتهما الوالدة في الأدوار التراجيدية. ويمكن القول إن ليليان لا تمتّ لعلياء بأي صلة، إلا في الهوية الشخصية.
قد يمثّل ورد ويوسف الخال مثالاً ثالثاً. هما ابنا الشاعر يوسف الخال والرسامة والشاعرة مهى بيرقدار. لكنهما اختارا طريقاً مختلفاً عن الوالدين، وقدما إضافة إلى سجل العائلة الفني، هي اضافة جيل جديد يبحث لنفسه عن مكان مختلف. هكذا تمكنت ورد بحضورها العميق، ويوسف بالمثابرة، من قلب المعادلة. فلم يكن للموهبة هنا أي علاقة بمهنة الوالدين، وإن تأثرت بمناخ المنزل أساساً.
في المقابل، لم يكتب النجاح لأبناء أرادوا السير على طريق الآباء أو الأمهات. هويدا، ابنة صباح على سبيل المثال، حاولت في الغناء وفشلت. ثم طرقت باب التمثيل، وكان الفشل حليفها أيضاً. كان وهج صباح اكبر من أن تخترقه الابنة في اي مجال، لذا، ابتعدت مرغمة.
أما ميلاد رزق، ابن الممثل الراحل الياس رزق، فذاق طعم النجومية بعد وفاة والده، لكنه لم يستطع الحفاظ على مكانته. كان يملك الموهبة لكنه لم يعرف كيف يحافظ على الاستمرارية.
وفي الغناء أيضاً، حاول أحد ابناء الفنان وديع الصافي أن يخوض تجربة الغناء، كما قرر أخوه التلحين. لكن نجومية الأب طغت على حضور الولدين منذ البداية، وبقي نشاطهما محصوراً بأغان قليلة. هل هناك وراثة في الفن؟ الجواب في لبنان يرتبط بالموهبة قبل أي شيء آخر.