نور خالد
“كلمتن كلمة” حمل رسالة «توعية» الشباب. لكنّ “إل.بي.سي” التي تحمّست لتجربتها الجديدة، وجدت نفسها فجأة تسير على أرض مفخّخة... فأين المفرّ من ألغام النظريات الخشبية والخطابات المعلّبة؟

دعت “إل بي سي” مجموعة من الشباب المثقف إلى صحيفة “النهار” حيث جمعتهم بنواب وإعلاميين، وطالبتهم بالإدلاء بـ“كلمتن” التي يجب أن تكون “القاسم المشترك ولغة التواصل والتحاور بينهم وبين الأجيال التي سبقتهم”، كما يقول إعلان الحلقة. ووجّهت الدعوة أيضاً الى كل من جان جاك روسو وجان بودان والكثير من فلاسفة القانون والاجتماعمحور الحلقة الأولى التي عرضت أول من أمس كان “المواطنة وحرية الرأي والتعبير”. وضيوف البرنامج هم النائب سمير فرنجية ونائب الأمين العام للحزب الشيوعي سعد الله مزرعاني، والنائب غسان مخيبر والصحافيون حبيب يونس وبلال خبيز. أما الشباب، فقد تعمّد المقدم وليد عبود عدم التعريف بهم بانتماءات طائفية أو حزبية بل مهنية. فحضر عباس وربيع وزينة وغابي وخــــــبــــــــراتهم في الــــقــــــــانـون والهندسة!
حرص عبود طوال الوقت على إنقاذ حلقته من “براثن” غرف الصفوف الجامعية حيث الأساتذة “يلقّنون” والطلاب يرفعون أصابعهم ليدلوا بدلوهم. بذل عبود مجهوداً كبيراً ليخرج فريق “جيل البارحة” (كما يسميهم البيان الاعلامي) من دور “الأستذة”، وعدم توريط المشاهد في الاستماع الى نظريات جوهرية لكن “خشبية” في علم القانون والاجتماع. فيما تمثّل هاجسه الآخر في إخراج فريق “الجيل الصاعد” من دور “الطلبة” الذين “يتلون” ما حفظوه عن روسو و“زملائه”. فعندما سألهم عن تعريفهم للـ“المواطنة” و“الدولة” و“حرية التعبير”... حاول دفعهم الى تجاوز الكليشيهات، عبر اللجوء الى الاستفزاز “حلوة هاي أخوة ومحبة” علّق ضاحكاً على كلام ربيع.
هنا، تحديداً، يكمن مأزق “كلمتن كلمة”. فهو يراهن على تجربة اعلامية نوعية، “تثقيفية مدنية”، كما قال حبيب يونس. لكنه في الوقت عينه، يريد ان يسمّي الأمور بأسمائها، ما يعني التورّط مجدداً في عشوائيات الخطاب القبلي الذي يكتسح المشهد اللبناني أكثر من أي وقت مضى.
التحدي الرئيس الذي يواجهه البرنامج هو إيجاد صيغة متوازنة وتقديم خطاب بعيد من غرف الكليات من جهة، ومطابخ التحرير الصحافية من جهة أخرى. فبين “خشب” النظرية وحماسة الخبر الصحافي، أراد “كلمتن كلمة” أن يقف، ليمنح الشباب الواعي فرصته في قول “الكلمة” التي سُوّقت كأنها ستكون “الكلمة الفاصلة” ويحسن من بعدها الصمت. لكن كلمة الشباب، الذين لم يتمكن بعضهم من تجاوز ارتباك الكاميرا، لم تكن سوى “نظريات خشبية”.
أضف إلى ذلك أنها لم تكن موحّدة، كما هو متوقع. لقد اختلفوا على تفسير المواطنية وحقّ المجتمع، كما اختلف أقرانهم في الشارع على المفاهيم نفسها لكن من دون ان يعرفوا أسماءها العلمية المنمّقة.
يحسب لـ“المؤسسة اللبنانية للإرسال” أنّها قررت البحث عن المعرفة، في وقت تمددت ثقافة التنجيم على الشاشات وفي الشارع. إذ بات اللبنانيون، بعد خيبات الواقع المتكررة، يؤمنون بأن الخلاص لن يأتي إلا من طريق الغيب والماورائيات. فإذا بهم يتلقفون مثلاً أخبار ميشال حايك على الشاشات، بينها “إل بي سي”، لكي “يشتمّوا” شيئاً عن مستقبل بلدهم المتجه صوب الرمادي. ويحدث هذا في وقت تغيب ــ إن لم تكن غابت ــ ثقافة المفاهيم التي تتعلق بالدولة والمواطنة، عن طاولة النقاش مقابل انفلاش لا مثيل له للثقافة القبلية منذ انتهاء الحرب الأهلية.
قد يبدو الكلام مألوفاً وحاضراً دوماً، وبقوة، في القاموس اللبناني. لكن الخطورة المتجددة تتمثل في أن الخطاب القبلي غلب على لغة الشباب اللبناني، تحديداً تلك الفئة التي كانت “صامدة” على جبهة الوعي، فأغرقتها حرب تموز الأخيرة وإفرازاتها، في مستنقعات القبلية.
قد يكون هذا اختصاراً للسياق الذي قدمت فيه “إل بي سي” مع “النهار”، برنامج “كلمتن كلمة”. لكن السؤال: هل ينجح صوت العقل والجو “التثقيفي” الذي خيّم على “كلمتن كلمة” في إيجاد المساحة الجذابة والمؤثرة على الشاشة، من دون أن “تفترسه” رطانة النظريات من جهة، أو “عشوائية” الخطاب من جهة أخرى؟ الإجابة برسم الحلقات المقبلة التي ستتناول تباعاً دور المرأة، الديموقراطية، والانتخابات والسلطة القضائية.