أصيب طالب مكي (70 عاماً) بالصمم والبكم في الثانية، لكنّه تحدّى إعاقته، وصار من افضل رسامي صحافة الاطفال في العراق. والفنان الذي تتلمذ على يد جواد سليم، أشهر نحاتي العراق الحديث، أقام أخيراً في قاعة “مدارات” البغدادية معرضاً استعادياً يختصر مسيرته، ويسلط الضوء على تحولاته الاسلوبية خلال 40 عاماً.
نهلت رسوم مكي الاولى (1966) من الطبيعة، ثم انتقل الى المرحلة بغدادية فصوّر معمارها وحركة الشارع. تتميّز لوحته بطريقة التعامل مع اللون التي تقرّبه من التعبيريين. وقد عمد لاحقاً الى تجريد اشكاله من التفاصيل، مكتفياً بإشارات موجزة تظهر معالمها الاساسية، ثم حوّر التفاصيل ليبتكر أشكالاً غريبة.
الوجه في معظم رسوم طالب مكي مربّع يطفو في فضاء لا متناهٍ، فيما تنبدو الاجساد أبراجاً ضخمة. وقد تختلط الأمور على المشاهد أحياناً، فلا يعود يعرف إن كان الرأس الذي يراه قناعاً أم جمجمة. وشيئاً فشيئاً تتحوّل العناصر الى أشكال هندسية أو مساحات لونية... أو إلى مجرّد ظلال.
تشبه رسوم مكي أحلام مهندس لم يستطع تنفيذ مبانيه الغريبة الا على الورق: مبانٍ تستند الى أرضيّات قلقة وترتفع في فضاء معتم أو مضاء إضاءةً اصطناعية. وتشبه الاشكال المرسومة في بعض جوانبها منحوتات عملاقة نعثر على ما يقربها من الأعمال النحتية التي ضمّها معرضه، علماً بأن مكي يحرص على الفصل بين رسومه وأعماله النحتية.
منحوتاته تجمع بين شكلي الإنسان والحصان، حتى إن الرأس يختفي أحياناً تاركاً جسداً هجيناً ليست له اصول واقعية. جسد يتأرجح في الفراغ. وقد يتعامل النحات مع الرأس وحده ليحوّله كتلةً هندسيةً أو يستعير أجزاء من اجهزة كهربائية ليعيد من خلالها تركيب وجه الانسان أو رأس الحصان، أو يُحدث تداخلاً بينهما ليثير دهشة المتلقّي. فيما يميل إلى اجتزاء كثير من التفاصيل ليقدم خلاصة مرئية مشحونة بالتوتر والحزن والألم.