محمد شعيرالمسرحي الألماني بيتر فايس هو رائد المسرح التسجيلي في العالم. تلك حقيقة استقرت في أذهان نقاد المسرح والموسوعات العلمية. لكن الدراسة التي أجراها الدكتور سيد علي إسماعيل على المسرحية المجهولة “الأزهر وقضية حمادة باشا” التي صدرت حديثاً في سلسلة “تراث المسرح المصري” غيّرت هذه الحقيقة الثابتة.
تكشف الدراسة أن كاتباً مسرحياً مصرياً مجهولاً ظهر في أواخر القرن التاسع عشر يدعى حسن مرعي هو رائد المسرح التسجيلي في العالم. إذ تتوافر في مسرحيته المجهولة التي اكتُشفت أخيراً كل المعايير التي حددها النقاد ــ وخاصة الألمان منهم ــ للمسرح التسجيلي، ومن بينها أنّه مسرح يختار مادته من المقالات الصحافية والخطب والسجلات والمحاضر. ويكون الاختيار مركّزاً على قضية اجتماعية أو سياسية، وتشتمل القضية على مضمون إنساني عام. هذه السمات حددها بيتر فايس نفسه في دراسته عن “المسرح التسجيلي” التي نشرها عام 1967 في مجلة “Theater Heute” الألمانية.
المسرحية المجهولة التي اكتُشفت أخيراً في “أرشيفات المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية” في القاهرة، تتوافر فيها هذه المعايير. إذ تؤرخ لأول اعتصام نفّذه طلاب الأزهر، ووصل إلى حد الثورة من أجل إلغاء قانون عام 1908 الذي كان يهدف إلى تغيير بعض المناهج الدراسية وإضافة مناهج عصرية. وكان هذا التغيير يهدف إلى “تطوير الأزهر علمياً في الظاهر وتقليل أهميته الدينية والتعليمية وإضعاف أثره الاجتماعي في الباطن” كما يؤكد سيد علي إسماعيل. لكنّ الطلاب رفضوا هذا المخطط، فاعتصموا ورفضوا تلقّي الدروس، ولم تثنهم الإجراءات التي اتخذتها السلطة (الممثلة بحمادة باشا الذى اشتهر بأنه جلاد الخديوي) من أجل فضّ الاعتصام سواء بقطع الرواتب عنهم أو محاصرة الأزهر بالعساكر أو القبض على بعضهم. حتى رضخت السلطة لمطالبهم وألغي قانون الأزهر الجديد.
حسن مرعي (1880) اتخذ هذه الحادثة موضوعاً لمسرحيته التي كتبها عام 1909، وكانت قد سبقتها بثلاثة أعوام مسرحية “حادثة دنشواي” التي ما زالت مفقودة حتى الآن، وإن كانت الأخبار المتوافرة عنها تشير الى أنها كانت باكورة المسرح التسجيلي في العالم. أي أن المسرح التسجيلي في مصر سبق ظهوره في ألمانيا بأكثر من نصف قرن. والغريب أن الرقابة في ذلك الوقت منعت حسن مرعي من تمثيل كل رواياته، حتى أصبح نزيلاً في مستشفى الأمراض العقلية. وسرعان ما فرّ منها بعد تنكّره في ملابس سيدة!