strong>بيسان طي
بدلاً من التلصّص على حياة الآخرين، يخوض «تلفزيون الواقع” رهاناً جديداً مع «صوتنا» الذي تبثّه LBC (إخراج كارمن لبكي). الشباب استولوا أخيراً على الكاميرا ليعالجوا قضايا الزواج المختلط والعلمانية والعنف ضد النساء والعدوان الإسرائيلي...

كريستال رزق صبية لم تبلغ العقد الثاني بعد. في كلامها الهادئ حيوية كبيرة، بعدما “أزاحت عن صدرها” حملاً ثقيلاً... الفتاة التي تسكن قرب الطريق الدولية بين لويزه وبعبدا، تخيفها زحمة السيارات والحوادث الكثيرة. قبل سنتين، توفي صديقها الياس نبهان (18 سنة) في حادث على هذا الطريق... حملت الكاميرا مع أصدقائها وأعدت تحقيقاً متلفزاً عن حوادث السير في لبنان.
رنده فقيه من الجنوب تشتاق إلى صوت الحجر تُدقّ به اللحمة، وتحنّ إلى تلك العادة التي لا يقوم بها أبناء جيلها بالطبع، ولا يهتمون بها... حنينُ رنده ترجمته إلى تحقيق مصور عن “الكبة النية” أو “الفراكة”.
كريستال ورنده عاشتا “تجربة إنسانية بامتياز” خارج برامج يومياتهم التقليدية... فالوقت المقتطع مع الكاميرا قد يكون خطوة أولى نحو طريق احتراف العمل الإعلامي، وقد تنتهي العلاقة عند نهاية هذه التجربة. والفتاتان جزء من فريق شباب وشابات من كل المناطق اللبنانية، أعدّوا برنامج “صوتنا” الذي بدأ عرضه أمس على شاشة LBC.
العلمانية والحرب الأهلية
أطلق مكتب اليونيسف في لبنان الفكرة قبل سنتين. واتُصل بنحو 20 منظمة أهلية لترشّح شباناً يشاركون في البرنامج، على أن تقدم الحكومة الهولندية الدعم الكافي للمشروع. تدرب هؤلاء الشباب تحت إشراف اختصاصية إنكليزية وفريق لبناني، وتعلموا كيفية التعاطي مع الكاميرا وإعداد التحقيقات. ثم أجروا أعمال المونتاج مع خبراء من شركة “فوروورد بروداكشن” التي يشرف عليها الثنائي غازي عبد الباقي وكارول منصور.
أربعون حلقة أنتجت حتى الآن، وتناولت مواضيع متعددة من التدخين والاكتئاب إلى الزواج المختلط، والعلمانية، والعولمة، وسن الانتخاب، والعنف المنزلي ضد النساء، وذكريات الحرب الأهلية اللبنانية، وترميم المنازل والمباني القديمة، والقنابل العنقودية، وآثار العدوان الإسرائيلي الأخير على الشباب اللبناني... وهو سيبث مرتين يومي الأربعاء والجمعة عند الساعة السادسة والنصف على “المؤسسة اللبنانية للإرسال”.
في الحلقة الأولى التي عرضت أول من أمس، وحملت عنوان “متلي متلو”، سلّط عمر وعلا الشامي الضوء على التمييز الذي يمارس ضد الفتاة في لبنان، معتمدين على أسلوب الحوارات القصيرة، واختيار موفّق للقطات والجمل الأكثر تعبيراً عن هذا الواقع... فيقف رجل خمسيني ليتحدث عن أهمية اختيار الأهل لأصدقاء ابنتهم، وأن يعطوها حرية مشروطة. تتكرر هذه الجمل لتخلص اللقطة التي لا تزيد على عشر ثوان، إلى كيفية تعاطي فئة كبيرة من اللبنانيين مع بناتهم...
قد يكون الحكم على البرنامج مبكراً. لكن التجربة تستحق الاهتمام، وخصوصاً أن “صوتنا” يحاول تقديم فسحة لشباب لبنانيين، يريدون التعبير عن قضايا تعنيهم وتعني أبناء جيلهم. وسيسمح للفئات العمرية الأخرى بالتعرف بما يشغلهم، وبأفراحهم وأحزانهم، وأفكارهم البسيطة، وخصوصاً لغتهم وأساليبهم في التعبير.
معدّو التحقيقات هواة. لكن التدريبات التي أُخضعوا لها جعلتهم عارفين بتقنيات العمل، ويبدو ذلك واضحاً من الحلقة الأولى. تعددت أساليب العمل، من المونتاج إلى الإعداد والتصوير... بعضهم اختار تقديم تحقيقات جادة، وصنع آخرون إسكتشات فكاهية، وثمّة من زاروا ضحايا المواضيع التي عالجوها، فيما اكتفى بعضهم
بآراء أناس التقوهم في الشارع.
وفي المؤتمر الصحافي الذي أقيم مساء أمس لإعلان انطلاق البرنامج، وشارك فيه السفير الهولندي في لبنان جيرار فان إيمين، وممثل اليونيسف روبرتو لورنتي، ومديرة المشروع في المنظمة هلا حبيب، والمخرجة كارمن لبكي، والمشاركة في البرنامج فرح قبيسي، أكد القيّمون على “صوتنا” أن الباب ما زال مفتوحاً أمام شباب جدد يريدون تقديم مواضيع تعنيهم وتعني أبناء جيلهم.
وأكدت قبيسي أن الشباب يعبّرون من خلاله بكل حرية عن آرائهم، وبعيداً مما تقوله الزعامات السياسية.
هل هم فئة واحدة؟ وما الذي يجمعهم، وما هي نقاط الاختلاف بينهم؟ هم أبناء الطوائف أم الجيل الآتي من المدن والقرى، من الأسر الفقيرة أو البيوت المرفّهة؟ وهل ستمتد يد رقيب ما إلى التحقيقات؟ أم الشباب تمتعوا حقاً بحرية مطلقة في التعبير؟ وهل سيعكسون هموم أبناء جيلهم في شكل حقيقي؟ أسئلة برسم الحلقات المقبلة، و“إل بي سي” اختارت عرضه في وقت تكون فيه المشاهدة في أوجها، وفق ما قالت لبكي لأنه سيسبق عرض برامج “ستار أكاديمي” الذي يبدأ قريباً.
تجدر الإشارة أخيراً إلى أن نجاح تجربة برنامج يصنعه الشباب بأنفسهم، قد يجعل القيّمين عليه يفكرون في إنتاج برامج تلفزيونية مماثلة في عدد من الدول العربية الأخرى.