باريس ــ مهى زراقط
الازدحام في “المترو”، في العاصمة الفرنسية باريس، لا يمنع الشاب اللبناني محمد من سحب هاتفه الخلوي من جيبه والنظر إلى الساعة: هي تقترب من الثامنة مساء.. يبقي الهاتف في يده إلى أن تتجاوز الثامنة بثلاث دقائق.. عندها يسارع إلى الاتصال بصديقه ويفتح معه حديثاً عن كل شيء ولا شيء.. يبدأ من وصف مكان وقوفه في المترو، ثم أشكال الركاب المحيطين به: الصيني الذي يرتدي البدلة “لا، ليس يابانياً لأنه قصير جداً”، الفتاة الجميلة جداًَ “لولا أنها تقف بعيدة عني ولولا هذا الحلق الطويل الذي علّقته في ذقنها”، الشاب الأسود الذي يضع عطراً “رائحته مميتة”...
لا يثني الوصول إلى محطة «شاتيليه»، الأكثر ازدحاماً، محمد عن متابعة اتصاله الـ“gratuit (مجاني) بعد الثامنة” كما يشرح لصديقه القادم حديثاً من لبنان الذي كان ينبهه إلى الوقت الطويل الذي استغرقه الاتصال. يعطيه الجهاز ليحكي هو أيضاً “لكني لا أعرف صديقك”. “لا مشكلة، تعرّفا، الاتصال مجاني” يكرّر له مضيفاً “مش مثل عندكم بلبنان”.
“gratuit” كلمة تدفع الشاب اللبناني إلى إعادة النظر في استنكاره للثمن المرتفع لبطاقة المترو «2500 لكي أستقل علبة السردين هذه؟ ماذا لو كنت استقللت تاكسي” كان قد قال لمحمد الذي وعده بأن يشرح له كيف يمكنه التوفير في أجرة المواصلات لكن.. بعد منتصف الليل.
لماذا هذاالتوقيت؟ لأن محمد يرغب باستهلاك كامل رصيده المجاني اليومي الذي يصل إلى أربع ساعات تبدأ عند الساعة الثامنة مساء، وذلك مقابل اشتراكه في شركة “bouygues” للاتصالات التي قدّمت له أيضاً أحدث جهاز هاتف بسعر يورو واحد (ما يعادل ألفي ليرة لبنانية): “أدفع 44 يورو شهرياً تتيح لي الاتصال المدفوع مسبقاً لساعتين بالإضافة إلى الساعات المجانية اليومية”. (أي أنه يدفع ما قيمته تسعون ألف ليرة لبنانية مقابل 122 ساعة من المحادثة، وبعملية حسابية بسيطة تصل قيمة ساعة المحادثة إلى 2500 ليرة فقط).
محمد الذي لم ولن يرغب في اقتناء جهاز خلوي في لبنان “لأن الكلفة هناك خيالية، وكله سرقة” يعدّ نفسه محظوظاً بهذا العرض وذكياً في الوقت نفسه لأنه لم يشترك في عرض آخر سبقه صديقه أيمن إليه: “قدّموا له أيضاً جهازاً جديداً بقيمة يورو واحد بالإضافة إلى منحه حق الاتصال بثلاثة أرقام مجاناً في أي وقت، لكن شرط أن تكون مشتركة مثله في شركة “orange”. ويؤكد أن أسوأ العروض تبقى أفضل من لبنان ومنها “عرض يقدم خدمة الاتصال المجاني يومي السبت والأحد بأي مشترك في الشركة نفسها”.
وحتى إذا لم يرغب الشخص في الاستفادة من أي عرض والاكتفاء بشراء خط عادي يبقى رابحاً: “ثمن الخط ثلاثون يورو يضاف إليها مبلغ الشحن الذي يتيح تلقي الاتصالات مدة ستة أشهر كاملة، تجدد بعدها بمبلغ عشرة يورو فقط”.
في فرنسا، إحدى أغلى الدول الأوروبية، لا يمارس اللبنانيون تقنية “الميسد كول”. هم هناك يلاحقون الـ“promotion”، الكلمة الأكثر رواجاً في المحلات والاستهلاكيات الفرنسية والتي تطال مختلف أنواع السلع بما فيها الخضر والكرواسان وحتى الخبز.