عبادة كسر
يحط “سندباد” الجديد رحاله يومياً في بعلبك، فأبو علي الفقيه صاحب المكتبة العامة النقالة الشهيرة، يستيقظ باكراً في بلدته علي النهري قاصداً مدينة الشمس.
الرحلة الأولى جرت عن طريق الصدفة، يقول “كنت أعمل بائعاً متجولاً للملابس والأحذية، وعرض علي أحدهم شراء مجموعة من الكتب بسعر رخيص جداً، وبدأت بالترويج لها مع الملابس والأحذية”. لمس أبو علي إقبالاً كثيفاً على الكتب فراح يتنقّل بين دور النشر والمكتبات القديمة يجمع منها الكتب بأسعار زهيدة، واستقرّ به المقام على رصيف رأس العين “وأصبحت على علاقة وطيدة بجميع قراء بعلبك ومثقفيها”.
توطدت علاقة أبي علي مع الكتب. عشقها وصار يتصفحها، حتى أصبح خبيراً بكل أنواعها، فإذا ما أراد أحدهم التزود بمعلومة معيّنة، يتوجه إليه ليرشده إلى أكثر من مرجع يحتضن تلك المعلومة.
منذ 8 سنوات لا يفارق أبو علي وكتبه رصيف أحد شوارع رأس العين المحاذي للبريد إلاّ في أيام الصقيع والعواصف، غير أنه هجر رصيفه أيام العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان.
يسمّيه زبائنه “السندباد” وهم من فئات مختلفة: أطباء، ومهندسون، ورجال دين، وراهبات، وممرضات، وضباط، ونواب، وأساتذة جامعيون، وطلاب وغيرهم. بعضهم يمضي 3 ساعات مع أبي علي بحثاً عن كتب جديدة ومستعملة. وأشار صاحب المكتبة المتنقلة إلى أن الرصيف الذي يفرش عليه كتبه أصبح محطة للقاءات بين زبائنه، وبعضهم تعرف إلى أصدقاء جدد بفضله.
تتراوح أسعار كتب أبي علي بين 500 و20000 ليرة لبنانية. وهو يقول “لكل موسم كتبه الخاصة، ففي شهر رمضان يكثر الطلب على الكتب الدينية. ومع بدء العام الدراسي يطلب الزبائن القواميس”.
ويصنف أبو علي زبائنه على النحو الآتي: المراهقون يطلبون روايات غرامية وبوليسية وكتب ألعاب رياضية، وسيدات البيوت يطلبن كتب الطبخ والحلويات، و“هناك من يهتم بكتب السحر والشعوذة فأزودهم بما يرغبون”.
لا شيء يصعب على سندباد الكتب، وقد اكتسب خبرة في البحث “عما هو صعب المنال”. فما إن يذكر الزبون اسم المؤلف او الكتاب او دار النشر، حتى يجلب له ما يريد وبسعر مدروس. عادل وهبة أحد أصدقاء هذا الرصيف المهتمين بعلوم الذرة، يقول “أجد هنا ما لا أستطيع أن أجده في المكتبات”. بعض المثقفين اعتادوا زيارة هذه “المكتبة” يومياً ومنهم عبدو مرتضى الحسيني، صاحب المليون كتاب، الذي كان يومياً يشتري كتاباً او أكثر من مكتبة الرصيف. أما الدكتور علي الجمال (أستاذ التاريخ)، فغالباً ما يراه أبناء بعلبك يحدّق مبتسماً في لوحة الكتب الأشبه بالفسيفساء، ويشتري ما يحب من كتب علوم الإنسانيات والاجتماع والتاريخ. ويقول: “رغم الضائقة الاقتصادية على الشباب وتغير وجهتهم نحو اهتمامات اخرى، أبدي ارتياحاً لمصادفة فئات عمرية صغيرة نسبياً تفلفش صفحات الكتب وتسأل عن الكثير منها”.