الجزائر ــ إسماعيل طلاي
«أم بي سي» من السعودية، «أل بي سي» من لبنان، «الجزيرة» من قطر... الفضائيات العربية اكتشفت فجأة المغرب العربي. وها هي أخيراً تتنافس لدخول منجم الذهب
فجأة، من دون سابق إنذار، وجد المشاهد في المغرب العربي نفسه موضع اهتمام الفضائيات العربية. ليس الأمر عادياً بالنسبة إلى هذا “المسكين” الذي بقي لسنوات طويلة يعيـش عزلة، بدا خـلالها مُبعداً و“مهـمشاً” في برامج هذه القنوات.
منذ انطلاقة البثّ الفضائي في العالم العربي، اصطفى القيمون على المؤسسات الإعلامية دول الخليج ولندن ولبنان ومصر مراكز لهم، وأسسوا فيها مكاتبهم الرئيسية. وتسابقت هذه الفضائيات، لكسب رضى المشاهد، في تقديم أكبر قدر من البرامج التي تعرّف بدول المشرق والخليج العربي و“تروّج” لها، متناسية جمهور دول المغرب الذي كان يبدي دائماً استياءه من ابتعاد برامج هذه المحطات عن اهتمامات الشارع المغاربي ومشاكله.
لكن ما الذي تغيّر اليوم حتى اكتشفت الفضائيات العربية هذه المنطقة “المنسية”؟ وما هو سبب “هجوم” “ام بي سي” السعودية، و “ال بي سي” اللبنانية، و“الجزيرة” القطرية على السوق المغاربي؟ وهل تتحمل الفضائيات مسؤولية تهميش المشاهد المغاربي، أم أن المنطقة هي التي أقصت الشاشة الصغيرة عنها، ربما بقرار من أنظمتها؟ لمَ تنفتح دول الخليج على الإعلام الخاص والحرّ ــ وهي أنظمة تُتهم بالانغلاق السياسي ــ فيما ترفض دول المغرب العربي هذا الانفتاح، رغم أن دولاً مثل الجزائر وتونس والمغرب تتباهى بميلها إلى الديموقراطية الأوروبية والانفتاح على الخارج؟
أسئلة كثيرة بدأ يطرحها الشارع المغاربي ووسائل الإعلام، مذ أعادت هذه القنوات اكتشافها، سعياً وراء الجواب الشافي.
في بداية التسعينيات، قرر عدد من رجال الأعمال العرب فتح قنوات فضائية ناطقة بلغة الضاد. كان رأس المال العربي في دول المشرق والخليج مهيئاً لاكتشاف مصدر جديد لتحقيق الثروات، بفعل الاستقرار الذي كانت تعرفه المنطقة آنــــــــذاك: رغم اندلاع الحرب العراقـــــــــيــــــــة الكــــــــــــــويتية، كان الوضع في المشـــــــــرق والخليج أكثر هدوءاً مما كانت عليه الحال في دول المغرب العربي، بســـــــبب انفجار الأزمة الأمنية في الجزائر، والانغلاق السياسي الذي كان يعيشه المغرب وتونس.
انتشرت الفضائيات العربية. ولم يتردد الكثير من الإعلاميين المغاربة في “الفرار” إلى الخليج بحثاً عن الأمان والمال. وشكّلت الجزائر في وقت من الأوقات، مصدراً رئيسياً لتصدير الإعلاميين، بفعل حداثة الانفتاح السياسي التي شهدتها البلاد في نهاية الثمانينيات، وما قدمته من انتعاش لحركة الإعلام فيها.
لكن ما إن أعادت الأنظمة السياسية في البلاد إقفال ساحة الحرية، بحجة أن “الجرح لم يندمل بعد”، و عدم الرغبة بـ“تكرار تجاوزات الصحافة”، حتى فرت أسماء إعلامية بارزة إلى القنوات الفضائية، وأدت دوراً أساسياً في شهرتها: من خديجة بن قنة، ومحفوظ بن حفري، وخيرة سعدي، وعبد الحق صداح (قناة الجزيرة) ومراد شبين (قناة أبو ظبي) وغيرهم. هذا بالإضافة إلى التونسي غسان بن جدو (الجزيرة)، وعدد آخر من إعلاميي تونس والمغرب.
أخيراً، فطنت الفضائيات العربية إلى أنها أهملت منطقة بكاملها. منطقة لم تكن تجد على شاشاتها أي برنامج يعكس اهتماماتها أو يتحدث عن مشاكلها. أضف إلى ذلك أن جمهورها لم يكن قادراً على متابعة البرامج التي تعرض عادة في أوقات الذروة، بسبب فارق التوقيت بينهم وبين الخليج والمشرق العربي. كانت أبرز الأعمال تعرض بعد منتصف الليل أو في ساعات الصباح الباكر. هناك أيضاً مشكلة أخرى هي اللهجة. تلك الفضائيات تعتمد في خطابها على العامية المصرية أو اللبنانية أو الخليجية، وهي لهجات بعيدة من الشارع المغاربي.
مع ذلك، أثبت مشاهدو المغرب العربي أنهم أكثر المتابعين لبرامج تلك الفضائيات، بدليل المشاركات المتدفقة في برامج تلفزيون الواقع والبرامج الحوارية والترفيهية.
وهم فعلاً كانوا بحاجة إلى بديل، بعدما شكوا دائماً من رداءة الإعلام المحلي، ورفضه الانفتاح على العالم، وبعده عن النقاشات السياسية الساخنة، وإلهاء جمهور الجزائر وتونس وليبيا ببرامج تستنسخ عن بعضها.
ما إن أعلنت “أم بي سي” نيتها تخصيص قناة للمغرب العربي، تعرض برامجها في وقت يناسب أجندة المشاهدين هناك، حتى علت صيحات الجمهور. ونجحت القناة فعلاً في استقطاب شريحة كبيرة، ولا سيما في رمضان المنصرم.
هناك سر آخر قد يفسر إقبال الفضائيات في الآونة الأخيرة على المنطقة، يكمن في الاستثمارات المالية الضخمة التي باتت تتدفق على المغرب وتونس والجزائر، بفضل عودة الاستقرار الأمني والسياسي إلى هذه البلاد، وحاجة الفضائيات إلى موارد مالية جديدة لتمويل برامجها. وهو ما أقرّه مسؤولو “ام بي سي” خلال المؤتمر الصحافي الذي عقدوه في الجزائر للإعلان عن انطلاق “ام بي سي المغرب العربي”. إذ قالوا صراحة: “هناك موارد مالية واستثمارات تتدفق على المنطقة، نريد أن نكون أول من يفوز بها”.
وبين البحث عن مصادر تمويل، والحاجة إلى استقطاب المشاهدين في المغرب العربي (32 مليون نسمة في الجزائر وحدها)، ينتظر المشاهد بلهفة انطلاق “ال. بي. سي. المغرب” اليوم، و“الجزيرة ــ المغرب العربي” التي تبصر النور في المغرب قريباً.