دمشق - خليل صويلح
سائق التاكسي لديه فكرة مسلسل تلفزيوني، لكنه يؤجل تنفيذها. لا لعدم قدرته على الكتابة، كما يتوقع بعضهم، بل بسبب ضيق الوقت. “أنت تعلم أننا نعاشر أناساً من مختلف الشرائح، ولكل منهم حكايته التي تتجاوز ثلاثين حلقة بالتأكيد... سيجارة أستاذ؟”. باشتعال الضوء الأخضر لإشارة المرور ينطلق مرة أخرى، ثم يقول “بالنحوي” إنه متعاقد مع ملهى لإيصال ثلاث راقصات روسيات “آخر الليل”. وبإيحاء ما، سيحاول أن يقنعك بأن السهرة في الملهى تعادل نصف عمرك.
يهزّ الأستاذ رأسه، وينظر من النافذة إلى حركة الشارع، ثم يلقي نظرة إلى ساعته متبرماً. السائق اكتسب حب الفن، عندما ظهر في لقطة صامتة بالسيارة ذاتها. وكانت أمل عرفة تجلس في المقعد الخلفي، ثم تخرج بعد أن تغلق الباب بعنف. هكذا يتطلب المشهد. مدير الإنتاج حسم نصف الأجر المتفق عليه، وطرده من موقع التصوير. “سيكون مسلسلي من بطولة أمل عرفة. ما رأيك أستاذ، ممثلة موهوبة أليس كذلك؟ أحياناً أفكر بسلاف فواخرجي، لكن زوجتي تغار منها. وعلى رغم إنني حاولت إقناعها أكثر من مرة بأن الأمر كله تمثيل بتمثيل، إلا أنها لم تقتنع. مرة أوصلت بسيارتي هذه جمال سليمان إلى مقهى “الروضة”. وعندما واجهه الأستاذ بنظرة متشككة، عاجله قائلاً: “ربما كانت سيارته معطّلة. سمعته يتحدث بالموبايل مع بسام كوسا بهذا الشأن. يا أخي، بسام كوسا ممثل عظيم. أقسم لك بأنني ليلة مقتل “نصّار” في مسلسل “الخوالي”، لم أذهب إلى العمل. أتُصَدّق، لديّ حكاية أهم من حكاية “الخوالي”. المشكلة في ضيق الوقت. لو أتيحت لي الفرصة، كنت سأفضح شرطة المرور. لماذا لا تكتبون عنهم في الصحافة. الرشوة صارت مهنة رسمية، ندفع في “الطالعة والنازلة”... أمس أوصلت فنانة عراقية من جرمانا إلى ملهى في صيدنايا. في طريق العودة دفعت لدورية الشرطة، نصف مبلغ الأجرة. أفضل من أن تسجل باسمي مخالفة... أنا أسكن في جرمانا. على بعد خطوات من بيت أيمن رضا. إنه ممثل عبقري. أتذكر دوره في “بقعة ضوء” عندما أدى دور شرطي مرور؟... لديه مرسيدس. لو كان لديّ وقت، لكتبت مسلسلاً، أهم من كل المسلسلات. قتل وضرب ومطاردات وراقصات ومطربات وحكمت المحكمة، وإعدام. سأعدم شرطة المرور شنقاً، من أول حلقة، وأصحاب محلات قطع التبديل والميكانيكي و“مرتي بالمعية”. أنــا مخنوق يا أستاذ و“رح طق”. برأيك هل توافق سلاف فواخرجي على أداء دور البطولة أمامي؟ “ما معي فراطة أستاذ، سامحنا”.
حال سائق التاكسي، يتكرر لدى بائع الخضر، والميكانيكي، ونادل المقهى، وكاتب القصة الفاشل، والشاعر المفلس، والمتخرج من الإعلام الذي لم يجد عملاً في الصحافة، والضابط المتقاعد في مزرعته، وربة المنزل. فمهنة كاتب السيناريو لا تحتاج إلى جهد. يكفي أن تقسّم الصفحة البيضاء إلى ثلاثة حقول، وتكتب في رأس الصفحة: المشهد الأول ـ نهاري خارجي. أو أن تقرأ كتاب “كيف تكتب السيناريو”، وتبدأ حياتك.