بشير صفير
من يلتقِ عازف العود والمؤلف الموسيقي شربل روحانا، لا يمكنه أن يفلت من ابتسامته الدائمة ووجهه المسالم والهادئ. شربل روحانا قليل الكلام، يفضّل الموسيقى. والدليل اعتماده إجمالاً على تأليف الموسيقى المسماة بالـ«صامتة»، أي المقطوعات الموسيقية بعيداً من النص الملحن أو الأغنية.
هذا الصامت الذي أجاد التعبير موسيقياً في «مزاج علني» و«العكس صحيح» و«صلة وصل»، خرج عن صمته أخيراً، وعبرّ عن رأيه في ما آلت اليه الظروف السياسية والاجتماعية في لبنان، من خلال أغنية «لشو التغيير». جاءت هذه الأغنية لترثي الواقع وتتهكم لحناً وكلاماً على الراهن اللبناني في أسلوب فكاهي أسود يثير الألم فينا اكثر مما يدعونا الى الترفيه.
روحانا الذي يحيي هذا المساء حفلته الثانية في «مسرح المدينة» يعود إلينا بأسطوانة جديدة عنوانها لافت للنظر: «خطيرة». 10 أغنيات تلبّي تلك الحاجة الفطريّة لدى الناس الى الكلمة، من تلحين روحانا الذي لطالما ردّد أن المتلقي العربي يفضل الكلمة على الموسيقى، ربما «لأن تاريخنا القديم كان حافلاً بالشعر». لكن ألبومه الجديد لم يقدّم أي تنازل على مستوى الموسيقى... تلك الموسيقى التي عوّدنا عليها روحانا لحناً وتوزيعاً. لقد ظل متيقظاً، ولم ينزلق في التيار الذي جرف قبله بعض الأصيلين.
إن تجارب روحانا في مجال كتابة النص وتلحينه قليلة، وتكاد تكون معدومة في مجال الغناء. إذ لا يستعمل من موهبته الموسيقية عادةً الا العزف على العود والتلحين والتوزيع وتعليم العزف. أما في ألبوم «خطيرة» الذي أنتجته شركة FORWARD PRODUCTIONS ، فنكتشف لدى هذا الفنان صوتاً متمكناً، صحيحاً ومميزاً، اضافة الى موهبته في كتابة النص السهل الممتنع. كما نكتشف موهبة هذا المؤلف في توسيع دائرة التوزيع الموسيقي لتضم موسيقيين غير الذين اعتاد العمل معهم. الأسطوانة الجديدة تؤرخ لانفتاحه على موسيقيين جدد وآلات من مختلف العائلات، غربية كانت أم شرقية، ليصل عدد المشاركين في العمل الى اكثر من 30 موسيقياً بين عازف وكورس، عدا الغناء المنفرد الذي يتولى شربل روحانا الجزء الاكبر منه.
يمكن تقسيم الأسطوانة الى ثلاثة أقسام، تبعاً لموضوعاتها. خُصّص القسم الأكبر للأغنية العاطفية، وتناولت الاغنيات الخمس العلاقة بين الرجل والمرأة. فيما يحتوي القسم الثاني على ثلاث أغنيات تناولت مواضيع اجتماعية وسياسية خاصة بمجتمعنا اللبناني المعاصر، وذلك بأسلوب ساخر وفكاهي يعتمد العبارات الشعبية داخل الجمل او عند القوافي.
أغنية «الحمد الله» التي تفتتح الأسطوانة، يطالعنا في بدايتها لحن كنسي (أورغن كنسي) وابتهال ديني لا يلبث ان تتحول الى زفة. ومناسبة هذه الزفة الاحتفال بالتأشيرة التي نسعى اليها طلباً للهجرة والعمل. لكننا بعد الهجرة، نعود أدراجنا الى الوطن بعد أن يتبدد وهم الجنة الاميركية. أغنية « عربي» تتناول إشكالية الانتماء والهوية من خلال رثاء اندثار اللغة العربية لصالح ازدهار اللغات الاجنبية، وتبيان ضلوع الاهل في هذه المشكلة. ونصل الى «لشو التغيير» التي سبق ان صدرت منفردة منذ فترة، فكشفت النقاب عن همّ روحانا الاجتماعي السياسي والانساني الذي كان يعبّر عنه من خلال الموسيقى.
أما القسم الأخير، الذي يشكل أحد اختصاصات روحانا، فيكمن في اعادة توزيع لحن «عالروزانا» على طريقته، مؤكداً علاقته الوطيدة بالتراث الذي يعيد بعثه في أطر حديثة أقرب الى عصرنا وزمننا ولحظتنا الراهنة.