مهى زراقط
هل هناك «رأي عام» يمكن قياسه ودراسته؟ وما هي قدرة الإعلام الفعليّة على التأثير؟ اللحظة السياسية الراهنة كانت في صلب أعمال مؤتمر «الإعلام والرأي العام بين أوروبا والشرق الأوسط» الذي يختتم اليوم في بيروت

الصعوبات التي تحول دون قياس الرأي العام في العالم العربي (على أساس أن دوله توتاليتارية) أو في العالم (بسبب المشاكل النظرية والتطبيقية)، لم تمنع المشاركين في مؤتمر «الإعلام والرأي العام بين أوروبا والشرق الأوسط» من تأكيد وجود «تأثير» ما لوسائل الإعلام على الجماهير. ويمكن القول إن هذا التأثير، هو الذي دفع فرنسا إلى منع «المنار» من البثّ في أوروبا، حتى لو لم تجرِ دراسة حجمه آنذاكلكن الباحث الفرنسي تريستان ماتلار الذي أكد هذه المقولة خلال المؤتمر، تساءل أيضاً عن وجود رأي عام عربي تمكن دراسة توجهاته وتطلعاته: «قد لا أنفي وجوده، لكن ما هي الآليات العملية لدراسته؟»، قال غامزاً من قناة غياب الحرية عن الدول العربية التي وصفت بالتوتاليتارية.
هذا السؤال كان أحد محاور ورقة العمل التي قدمها البروفسور الفرنسي إريك نوفو في افتتاح أعمال المؤتمر الذي ينظمه كل من «المعهد الألماني للأبحاث الشرقية» و«مؤسسة فرديريش ايبرت» و«المعهد الفرنسي للشرق الأدنى». تحدث نوفو عن الصعوبات العلمية والنظرية التي ترافق عملية قياس الرأي العام، وخصوصاً في ما يتعلق باختيار العينات وحسن تحليلها. وأشار إلى أهمية اللجوء إلى «أدوات تقنية تعتمد دراسة الإشارات التي يمكنها أن تدل على تطلعات الرأي العام».
وإذا كانت هذه المداخلات هي التي تناولت في شكل مباشر موضوع المؤتمر، إلا أن مختلف محاور الجلسات التي عقدت أمس في مبنى الـESA (المعهد العالي لإدارة الأعمال) في كليمنصو، كانت تحاول البحث عن إجابات لهذه الأسئلة. واستعان البحث بعرض واقع دولة ما (تونس مثلاً)، أو برنامج تلفزيوني («الشريعة والحياة» الذي يعرض على «الجزيرة»)، أو حتى قضية معينة استخدمت لإثارة الرأي العام أو تحريكه، مثل «غياب الأمن» في فرنسا أو الرسوم الكاريكاتورية في الدنمارك.
حملت الجلسة الأولى عنوان «مفهوم الرأي العام». وشرح الباحث الاجتماعي سيريل لوميو الأسباب الاجتماعية التي تجعل من قضية مثل «غياب الأمن» في فرنسا تحتل المرتبة الأولى على «الأجندة» السياسية والإعلامية خلال فترة الانتخابات الرئاسية. وبعد لوميو، قدّم بادوان دوبور تحليلاً لأربع نشرات إخبارية (من «العربية» و«الجزيرة» و«المنار» و«بي بي سي»)، خالصاً إلى أنها عرضت الأخبار نفسها واستخدمت تقريباً الصور ذاتها مع اختلافات بسيطة في الترتيب. موضحاً أن الاختلاف بين هذه المحطات كان في اللغة أو الخطاب الذي تتوجه به إلى جماهيرها.
وقدّم العربي شويخة مداخلة تدرس علاقة الدول العربية بالقنوات الفضائية والانترنت من خلال نموذج بلده تونس. وركزت المداخلة على «الحيل» التي يلجأ إليها التونسيون من أجل متابعة القنوات الفضائية والدخول إلى مواقع الكترونية تمنعها الدولة. وأشار شويخة في جزء من مداخلته إلى الدور «الذي لم يشهد له مثيل»، والذي لعبته «المنار» في تحريك الشارع التونسي ودفعه إلى القيام بتظاهرات خلال الحرب الاسرائيلية على لبنان، «وكان المتظاهرون يحملون الصور التي بثتها «المنار» و«الجزيرة» أيضاً».
أما الجلسة الثانية التي تضمنت أربع محاضرات، فاتخذت من الدين موضوعها الرئيسي. وكانت المحاضرة الأبرز لمدير المعهد الدنماركي في دمشق البروفسور جورغن نيلسن الذي قدم قراءة لقضية الرسوم الكاريكاتيرية، واصفاً إياها بالمعقدة. وأوضح نيلسن: «لأن الدنمارك لم تواجه منذ تأسيسها كدولة حديثة، قضية كبيرة بهذا الحجم... المرة الوحيدة التي وجدت نفسها في مواجهة كبرى كانت عام 1864 حينما تحولت إلى دولة إثنية واحدة. لذا، تحتل هذه القضية أهمية كبرى لأنها وضعت الدنمارك في اختبار التعددية الذي لا تعرفه». ورأى أنّ عملية إجلاء الدنمارك لرعاياها من أصل مسلم وعربي خلال الحرب الاسرائيلية «نوع من محاولة تصحيح نظرتها إلى العرب كمواطنين درجة ثانية».
وقدّمت الدكتورة ديما دبوس سبنسنغ قراءة تحليلية لخطاب الشيخ يوسف القرضاوي في برنامج «الشريعة والحياة» الذي تبثه «الجزيرة». ورأت بعد مجموعة قراءات للأسلوب الذي يخاطب فيه القرضاوي المشاهدين، واللغة التي يستخدمها الإعلامي أحمد منصور خلال طرح الأسئلة عليه مستعيناً بعبارات مثل «أصحاب القلوب الضعيفة» و«هؤلاء»... بأن هذا البرنامج «لا يترك مساحة للرأي والرأي الآخر، بل الرأي والرأي نفسه». وقد أثارت هذه المحاضرة العديد من الأسئلة، منها الدور أو الصفة التي كان ينطلق منها القرضاوي ليخاطب المشاهدين: فإذا كان يقوم بدوره كفقيه وليس كداعية، سيحتم علينا ذلك تغيير الموقف من خطابه.
كما حاضر الدكتور حسام تمام عن عمل وسائل الإعلام التابعة للـ«الأخوان المسلمين» خلال انتحابات عام 2005. فيما عرض الصحافي ياسين مشربش للمواقع الالكترونية الإسلامية (أنواعها ووظائفها)، مشيراً إلى الدور الكبير الذي توليه المنظمات الإسلامية لهذه المواقع «التي تتميز بجودة تقنية وبعدد كبير من الزوار، يصل إلى عشرات الآلاف، ما يعني برأيه قدرتها على تأليف رأي عام». يذكر أن المؤتمر يختتم أعماله اليوم بعد جلسة تتناول «السياسة والإعلام»، وأخرى تدور حول «الاقتصاد السياسي والإعلام».