القدس المحتلة ــ نجوان درويش
كانت تجربة استثنائية أن نستمع في القدس إلى كلود بارتلمي، أحد أبرز ممثلي الجاز الفرنسي الذي يوصف بأنه «أسرع عازف غيتار في العالم». في الأمسية التي نظّمها المركز الثقافي الفرنسي أخيراً، قدّم بارتلمي عرضاً حشد فيه عناصر الجاز وقدمها بأسلوبه الذي تميّز بالدقة التي صقلها مراسه الطويل على رغم انفلاته العارم.
قدم بارتلمي عرضه المنفرد بالتناوب بين آلتي الغيتار والعود، على خلفية بصرية لشاشة فيديو راحت تعرض معالجات لونية خاصة بكل مقطوعة. هكذا، طالعتنا الحفلة بعرض موسيقي بصري بامتياز.
انتقل بارتلمي من مقطوعات الغيتار إلى العود،و تحولت الشاشة في خلفية المنصة إلى مشهد غيوم، في حركة وتداخل وفوران، لتبدو مثل بخار يتصاعد أو حتى عدم يتبخّر. ورافقت العود في معزوفة أخرى مشاهد من صحراء تجريدية تحيل على روحانية تجريدية تصدر عن الشاشة التي تعرض مشاهد لونية ميتة، إلى درجة بدت «الروحانية الشرقية» لدى بارتلمي ــ كما صورتها مشاهد الفيديو ــ اسماً آخر للعدم.
وكلود بارتلمي الذي اعتلى المسرح بقميص أحمر وبنطال من الجلد الأسود اللامع كواحد من نجوم الروك السبعينيين، وُلد عام 1956 في باريس. بدأ منذ عام 1978 موسيقياً محترفاً في «وحدة ميشيل بورتال» التي كانت نقطة التقاء موسيقيي الجاز الأوروبيين والأميركيين. ومع ميشيل بورتال، أحد «الآباء المؤسسين» للجاز الفرنسي الحديث، دخل بارتلمي إلى مشهد الجاز الفرنسي والأوروبي ليصبح بعدها عازف غيتار فرقة «Musique Vivante». وساهم منذ السبعينيات في تأسيس فرق جاز تميّزت جميعها بمقاربة عوالم مختلفة من الجاز. وكان لمرّتين مديراً لـ»الأوركسترا الوطنية للجاز» الفرنسية.
في أواخر التسعينيات، أضاف بارتلمي العود إلى احترافه الموسيقي. وكان العود من الأسباب الرئيسة التي دفعته الى زيارة فلسطين حيث التقى مجموعة من عازفي العود وأساتذة من «معهد إدوارد سعيد الوطني».
غادر بارتلمي القدس وفي باله أفكار عن تعاون موسيقي مستقبلي مع موسيقيين من الساحة الفلسطينية. وقد تكون مشاهد في القدس بعثت فيه صوراً غائمة عن احتلال باريس، أو جذبته فكرة أنّ السياسة في هذه المنطقة تقترب من مفاهيمه الموسيقية، خصوصاً في انفلاتها وتجريديتها والعدم الذي يتراقص على الشاشة في خلفية العزف!