بشير صفير
هزّ اكتشاف استثنائي عالم الموسيقى الكلاسيكية مع ظهور “الفوغة الكبيرة” (Die grosse Fuge) للمؤلف الألماني بيتهوفن (1827 ـ 1770) التي ضاعت منذ عام 1890. و“الفوغة الكبيرة” هي مقطوعة لرباعي وتريات، منقولة إلى البيانو بأربع أيادٍ (تتطلب لتأديتها عازفي بيانو وآلة بيانو واحدة).
بدأت قصة “الفوغة الكبيرة” عندما نشر أخيراً في بعض المجلات المتخصصة خبر اكتشاف هذا العمل الضخم، مع إشارة إلى أن أحداً لم يتمكن من تحديد تاريخ تأليف هذا العمل، باستثناء أحد المؤرخين المختصين ببيتهوفن. وجاء أنّه في عام 1890، بعدما خاب ظنّ المؤلف الألماني في النقل الذي قام به أحد المؤلفين من معاصريه إلى ثنائي بيانو (أي التركيبة التي تتطلّب عازفي بيانو وآلتي بيانو)، عاد ونقله بنفسه الى البيانو بأربع أيادٍ، وعُثر عليه في إحدى المكتبات في فيينا عام 1839 وتناقلته الأيدي حتى وصل الى الولايات المتحدة عام 1890. ضاع العمل مذّاك ألى أن وجده أحد الباحثين في ولاية فيلادلفيا في تموز (يوليو) 2005، وتم التأكد بأنه مكتوب بيد بيتهوفن.
لكن ما هي الفوغة الكبيرة لبيتهوفن؟ إذا نظرنا الى عرش الموسيقى التي ألّفها بيتهوفن، نرى أنه يقوم على ثلاثة أعمدة: سيمفونياته التسع، سوناتات البيانو الـ 32 ورباعيات الوتريات الـ 16. ما يهمنا هنا هو العمود الثالث. فقد كتب بيتهوفن هذه الرباعيات بين عامي 1798 و1826 أي قبل أشهر من وفاته. أين تأتي الفوغة الكبيرة بين هذه الأعمال؟ إنها بكل بساطة الحركة السابعة من رباعي الوتريات رقم 13. لكن ملاحظات بعض النقاد آنذاك دفعت بيتهوفن الى كتابة حركة سابعة بديلة، حلّت مكان الفوغة الكبيرة. وجاءت ملاحظاتهم السلبية لتثير غضب المؤلف، لكنه أراد تفادي المواجهة، وخصوصاً أن الشكل المعقّد للذي كتبت على أساسه “الفوغة الكبيرة” لا يمكن تقبّله بسهولة. فاستقلّت هذه الأخيرة عن الرباعي التي كُتبت لتختمه.
الشكل المعقّد الذي كتبت على أساسه “الفوغة الكبيرة”، هو تركيبة علمية في التأليف الموسيقي، لها قواعدها الصارمة التي ابتكرها المؤلف الألماني باخ، وفنّد احتمالاتها في آخر عمل كتبه حمل عنوان “فنّ الفوغة”.
ويكمن العنصر المهم في الاكتشاف أنّ بيتهوفن، على عكس بعض معاصريه لم يكتب أبداً لثنائي بيانو أو للبيانو بأربع أيادٍ، ما يمنح هذا الاكتشاف أهمية إضافية لجهة إظهار مهارات بيتهوفن في هذا الشكل من التأليف الموسيقي.
ويبقى السؤال: من هما عازفا البيانو اللذان سيُمنحان شرف ترجمة هذا العمل ذي الأهمية التاريخية؟ على الأرجح أنّ الدفّة ستميل الى المعيار التجاري على حساب الجدارة! أما إذا أردنا اختيار عازفَين كبيرين من بين الذين اشتهروا بالحقبة الرومنطيقية عموماً، وبفنّ بيتهوفن خصوصاً، فهناك ماوريزيو بوليني وألفرد برندل. إنهما أفضل ثنائي لتسجيل هذا العمل. لكن يبدو من الصعب أن يعزفا ويسجلا معاً، فكلّ منهما وقّع عقداً مع شركة مختلفة عن شركة الآخر، منافسة لها. أما الأهم من كل ذلك بالنسبة الى محبي بيتهوفن، فهو صدور العمل في أقرب وقت، بغض النظر عن العازفين... أقلّه في مرحلة أولى.