دمشق - خليل صويلح
أعلنت شركات الإنتاج في دمشق عن نيتها نقل
روايات الكتّاب السوريين إلى الشاشة. وها هي تترجم أعمال صدقي اسماعيل وعبد السلام العجيلي وحسيب كيالي وزكريا تامر إلى مسلسلات وأفلام. فهل تنقذ الرواية الانتاج الدرامي من الجفاف الذي ضربها؟


بعد النجاح الذي حققه مسلسل “نهاية رجل شجاع” للمخرج نجدت أنزور، المقتبس عن رواية بالاسم نفسه للكاتب حنا مينه، توقع بعض النقاد أن تستقطب الدراما السورية روايات أخرى إلى الشاشة الصغيرة. لكن هذا التوقع لم يكن صائباً، إذ سرعان ما انفضّ المولد، وانكفأ الروائيون على ذواتهم، خصوصاً بعد فشل مسلسل “الطويبي” للمخرج باسل الخطيب، المقتبس عن رواية “أطياف العرش” للروائي نبيل سليمانوجد كتاب السيناريو ضالتهم في تحويل روايات عالمية إلى الشاشة، للتهرب من حقوق المؤلف الأصلي. هكذا ظهرت رواية الكاتبة التشيلية ايزابيل ألليندي “بيت الأرواح” تحت اسم آخر، من دون اشارة إلى المصدر الأصلي، وحملت توقيع الكاتب قمر الزمان علوش. حمل المسلسل عنوان “الأرواح المهاجرة”، وأخرجه التونسي شوقي الماجري وشارك في بطولته عباس النوري، مي سكاف، جيانا عيد، وسلاف فواخرجي، ووائل رمضان. والأمر نفسه حصل مع رواية باولو كويلو “الخيميائي” في مسلسل “الرياح الابدية” للمخرج محمد بدرخان، وكان مصير هذا الاقتباس الفشل.
اليوم، يسعى بعض شركات الانتاج إلى الالتفات مرة أخرى إلى الأدب السوري. إذ أعلنت مديرية الانتاج في التلفزيون الرسمي نيتها تقديم مسلسلات اجتماعية، تشمل أعمال الرواد مثل عبد السلام العجيلي، وحسيب كيالي، وزكريا تامر، وصدقي اسماعيل، بالاضافة إلى أعمال الأجيال اللاحقة مثل فواز حداد وأنيسة عبود. لكن مثل هذه المشاريع غالباً ما يبقى طي الأدراج، بعد توقيع العقود وقبض السلفومن المتوقع أن يثير تحويل رواية “العصاة” للراحل صدقي إسماعيل، بإخراج باسل الخطيب، عاصفة في الوسط الثقافي والفني. إذ سبق أن قُدمت القصة سابقاً بتوقيع السيناريست نهاد سيريس تحت عنوان “الثريا” للمخرج هيثم حقي مع جمال سليمان وسوزان نجم الدين، من دون أي إشارة إلى النص الأصلي. وكانت رواية “العصاة” قد صدرت في الستينيات وظلت مجهولة، على رغم أهميتها الروائية والسردية.
في السياق نفسه، أنجز الروائي خيري الذهبي مسلسلاً عن روايته “حسيبة”، كما بدأ المخرج السينمائي ريمون بطرس تصوير نسخة سينمائية منها. وفيما ذهب دور “حسيبة” في المسلسل إلى أمل عرفة، تلعب في السينما الدور نفسه سلاف فواخرجي، في مباراة سرية بينهما في أداء الشخصية. ويروي “حسيبة” قصصاً لبعض نساء دمشق بين 1927 و1952. ويشارك وائل رمضان زوجته فواخرجي بطولة الفيلم.
يرى بعضهم أن الرواية السورية تحمل مخزوناً درامياً كبيراً، لكن “جهل” شركات الانتاج وكتّاب السيناريو لأهمية هذه الروايات، وضعها على رفوف الاهمال. ومعظم كتّاب السيناريو جاؤوا إلى الكتابة الدرامية من موقع الهواية والاستسهال، كما أن القراء الذين يختارون النصوص لشركات الانتاج هم أصحابها، وتالياً هم يفتقدون القدرة على تمييز النصوص الجيدة، ويكتفون بذائقتهم الشخصية. أما الروائيون فهم خارج السوق الدرامية. وحتى عندما يخوضون تجربة الكتابة التلفزيونية، يبتعدون عن نصوصهم الروائية، ويكتبون أعمالاً خاصة بالشاشة الصغيرة مثل نهاد سيريس وخالد خليفة وفيصل خرتش، لاعتقاد مضمر لديهم، بأن الدراما تحتاج إلى وجبات خفيفة، تناسب ذائقة العامة. أضف إلى ذلك أن شركات الانتاج ذاتها، تبتعد عن الكاتب “المثقف”، وتراه فائضاً على حاجتها. فذكر اسم مثقف، يصل لدى بعض هؤلاء إلى حدود الشتيمة والشبهة.
هل ستعيد الشاشة الصغيرة الحق الضائع للرواية السورية أخيراً، وتستفيد من التجربة المصرية التي وجدت في أعمال نجيب محفوظ، ومحمد عبد الحليم عبد الله، وجمال الغيطاني، وإبراهيم عبد المجيد، حلاًّ سحرياً للفقر الدرامي؟ أم أن الأمر سيبقى في دائرة الارتجال والأماني فحسب، لتعود مرة أخرى إلى مواقعها، خصوصاً مع وجود كميات وافرة من أشرطة الـ “دي في دي” المقرصنة، وبأسعار رمزية، ووجد فيها كتاب سيناريو “كبار” فرصة لكتابة مسلسلات بالجملة، بتغيير طفيف، يخص الأسماء والأماكن لا أكثر، وبنجاح منقطع النظير.