نور خالد
لماذا يكون محمد زهير الصدّيق، الشاهد المزعوم على اغتيال النظام السوري لرفيق الحريري، من بين أول ثلاثة أصوات تذيعها قناة «العربية» في سياق تغطيتها لجريمة اغتيال بيار أمين الجميل؟ حين يتم اغتيال شخصية سياسية، في منصب وزير، وبرمزية الجميّل، فإن أقل المتدربين خبرة يعرف أن الواجب المهني يقتضي بأن يبحث في درجه عن أرقام هواتف الشخصيات التي تحمل ألقاباً مثل: رئيس، وزير، نائب، رئيس كتلة نيابية، زعيم فريق أكثرية، زعيم معارضة، قريب، بعيد وقريب.. أو حتى حارس بلدية لديه صفة «شرعية» تخوّله الإفتاء في لحظة حاسمة قد يودي فيها أي كلام متسرع بنزول الى الشارع، فهيجان فرصاص فدواليب وأنفاس محروقة... فدماء! ما هي تلك «الشرعية» التي تجعل القناة تستعين «بخبرات» الصديق، الشاهد الذي لم يحسم القضاء بعد صدقيته في ظل 69 تهمة تلاحقه بها محاكم بلاده، لكي يكون الصوت الأوّل الذي يخرج على المشاهد المربك بمئات الأسئلة حول القاتل والجهة التي ينتمي إليها. حين كان المشاهد يقلّب القنوات بانتظار إطلالة أمين الجميل أو وليد جنبلاط أو حتى بثينة شعبان من سوريا، وقع «فجأة» على صوت الصديق يأتيه من باريس ليعلن بصوت جهوري أن «حسن نصر الله هو الإرهابي الأكبر ومعه إميل لحود وبشار الأسد». أراد مذيع العربية أن يسكت الصدّيق، من دون أن يشوش على صوته. أعطي المزيد من الكلام. المزيد من التحريض وصبّ الزيت على النار التي لم تكن بعد لشدة الصدمة قد اشتعلت في الشارع اللبناني. بعد أربعين ثانية، «شكر» المذيع «شاهده الملك»، لينتقل بنا إلى رشاد سلامة، نائب رئيس حزب الكتائب اللبناني الذي تكلم عن ضبط النفس، وعدم الانجرار وراء ردود أفعال غرائزية. هل أرادت «العربية»، وعلى طريقة الرأي والرأي الآخر، إقناعنا بأنها تنتهج الموضوعية الإعلامية، بوضعها الصديق وجهاً الى وجه مع ممثلي حزب الكتائب أولاً، وأقطاب المعارضة ثانياً؟ من الواضح أن القناة لجأت الى أجندة الهواتف الخاطئة. فالمعيار المهني، أولاً، والأخلاقي، ثانياً، لا يقضي، في أي حال من الأحوال، بالاستعانة برجل لا تزال صدقيته محاطة بكثير من الأسئلة، كما انه مقيم في باريس، لكي يعطي رأيه في جريمة الاغتيال.
في أيلول (سبتمبر) الماضي، وقعت «العربية» على الصديق، فأذاعته، ضمن «سبق حصري»، في إحدى فقرات برنامج «بانوراما». ثم دأبت بعد ذلك على «الترويج» لرواياته ضمن مناسبات عدة، ودوماً تحت شعار الرأي الآخر، حتى كانت المفاجأة بأنه كان أول من استعانت به للتعليق على اغتيال الشيخ بيار الجميل. كي لا نتشكّك في النيات السياسية للمحطة، سنفترض أن رقم هاتف الصديق كان مدوناً على ورقة صفراء معلقة على أحد جدران الـ“نيوز روم” في القناة، ومن السهل الوصول إليه في أي وقت وأي مناسبة، لكي يقول أي شيء... وبلا مناسبة!