رنا حايك
يعترف كثيرون ممن قرأوا «بيروت بيروت» التي عرض فيها الكاتب المصري صنع الله ابراهيم يوميات الحرب الأهلية اللبنانية، بأن الرواية زادت من إرباكهم بدل مساعدتهم على فهم تلك الحرب العبثية. منذ توالي الاغتيالات بعد مقتل الرئيس رفيق الحريري، استعاد جميع المتابعين للمحطات الإخبارية والصحف اللبنانية والعربية الإحساس ذاته. ففي لبنان «عمرك ما بتعرف مين قتل مين».
بعد تأكيد خبر اغتيال وزير الصناعة اللبناني بيار الجميل، بات الهواء مفتوحاً للجميعاستفاد السياسيون جيداً من الفرصة. تصاعدت لهجات الاتهام والاتهام المضاد، والنبرة التحريضية التي أسهمت الشاشات في إبرازها بدل تجنّبها في هذا التوقيت.
بعد نقل سريع من مستشفى الأرز، سارعت كل محطة إلى استضافة ناطق باسم توجهاتها السياسية. هكذا حلّ النائب أنطوان زهرة ضيفاً على «أل.بي.سي»، واستضافت «المنار» مدير تحرير صحيفة “الديار” شارل أيوب. فيما بثّت إذاعة النور المؤتمر الصحافي لسليمان فرنجية، وعرضت «المستقبل» وثائقي «الانتداب الأسود» الذي يتحدث عن «وضع لبنان خلال فترة رئاسة إميل لحود». أما قناة «الجزيرة» الملتزمة نهج «الرأي والرأي الآخر»، فاستضافت في حلقة خاصة من برنامج «الاتجاه المعاكس» الكاتب خضر عواركة من مونتريال، ومدير تحرير جريدة «المستقبل» جورج بكاسيني من الدوحة. الانفعال كان سيد الموقف في الحلقة، ما زاد من حماوة برنامج فيصل القاسم الذي اشتهر أصلاً بسخونته. حتى إن المشاهدين شكروا الظروف التي لم تضع المشاركين وجهاً لوجه، وإلا لتحول التلاسن تعاركاً بالأيدي. خضر عواركة شنّ هجوماً عنيفاً على سعد الحريري والسنيورة، وحمّل الدول التي سمحت لها حكومة الأكثرية بالتدخل في الشؤون اللبنانية، مسؤولية الاغتيال. أما بكاسيني فأكد أن المتهم الحقيقي هو من يسعى إلى إفشال المحكمة الدولية، في إشارة إلى سوريا وحزب الله.
هذا الشحن للرأي العام، واكبه عرض فلاشات حضّرت سريعاً للمناسبة المؤلمة على قناة «المستقبل». اعتمدت هذه الإعلانات على أسلوب خطابي، ليس جديداً في لبنان، يهدف إلى استنفار الشعب تجاه عدو يُخاطب بضمير الغائب. وكما كان الـ«هم» حاضراً في خطابات سمير جعجع، جاءت إعلانات «المستقبل» لتؤكد أنـ«هم خافوا من شموخ جبينه ومن ربيع شبابه وإصرار عنفوانه، فقتلوه».
هذا العدو الوهمي المتربص دائماً، يزيده تشابك المعطيات على الساحة اللبنانية، حضوراً. ويظهر التخبط جلياً في تصريحات السياسيين، فهي تتناقض في معانيها أحياناً، وتبرز فيها لهجة التحريض أحياناً أخرى، على رغم محاولة إخفائها بطلب «ضبط النفس للمحافظة على السلم الأهلي».
وفيما كانت معظم المحطات اللبنانية أمس تنقل تقبّل التعازي من منزل عائلة الجميل، كان رئيس حزب اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط يعقد مؤتمراً في دارته. تحدث جنبلاط عن الوزراء الذين استقالوا لتعطيل عقد جلسة إقرار المحكمة الدولية، ثم قال مباشرة، مستخدماً ضمير الغائب، إنـ«هم قتلوا الشيخ بيار». استنتجت إحدى الصحافيات الحاضرات أن هذا التصريح اتهام مباشر لحزب الله في عملية الاغتيال، لكن جنبلاط اعترض قائلاً: “ما تقوّليني شي ما قلته، أنا ما اتهمت حزب الله».
يلعب الإعلام دوراً مهماً في الشحن السياسي والطائفي يزداد خطورةً في بلد «ما حدا بيعرف مين قتل مين فيه»... فهل تعي وسائل الإعلام ذلك وهي الأداة الأكثر انتشاراً في مخاطبة الجماهير؟