حسين بن حمزة
في مجموعتها القصصية الجديدة “كومبارس” (دار الساقي)، تذهب هيفاء بيطار إلى سرد القصة كما هي تقريباً. تكتفي بجسم القصة الأولي المتمثل في الحكاية أو “الخبرية” التي ينطلق منها الكتاب عادةً. لا تتلقف بيطار المادة الخام لأيّ قصة كي تخضعها لأعمال الأسلوب والمخيلة وزاوية النظر ونوع النبرة السردية. لا شيء من هذا كله يمكن أن يجده القارئ، وهو ينتقل من قصة إلى أخرى في الكتاب. بل يجد نفسه مصطدماً بالقصص. تواجهه بفجاجة الفكرة أو الحكاية بدل أن تغريه بالتجول فيها بروية.
لا تمنح الكاتبة القارئ ترف القراءة الشخصية وما يمكن أن يصل إليه ويستنتجه بنفسه. القصص تنمو وتتطور لا لكي يُضاف إليها مزاج أسلوبي أو ممارسة سردية ما، بل يحدث ذلك كجزء من جسم القصة نفسها. كما أن الكاتبة تصر على إيصال مقولة القصة أو مغزاها إلى القارئ، رغم أن هذا كثيراً ما يكون زائداً عن حاجته. معظم القصص ما هي إلا مقولات ورسائل مباشرة. لكن لماذا لا يحصل ذلك ما دام السرد نفسه يتصف بالوظيفية، فهو لا يزيد ولا ينقص عما يلزم القصص لكي توصل مقولتها الى القارئ.
ثمة هدف معلن ومباشر يلوح وراء معظم قصص المجموعة. والمباشرة والرغبة في صدم القارئ بواقعه تشكلان جزءاً كبيراً من عُدّة الكاتبة في إنجاز القصص. هناك فعلاً محاولات لكشف الزيف الاجتماعي وإزالة الأقنعة التي تخفي الوجوه الحقيقية للناس، والتوغل في معاناة النساء وفضح نظرة المجتمع الذكوري. الكاتبة على ما يبدو تستثمر ما تعيشه وما تسمعه، وتريد أن تكون قصصها صدى لأفكار الناس العاديين، ولذلك تلجأ إلى استخدام لغة بسيطة ومنطلقة من دون تلكؤ إلى هدفها مباشرة. لكن البساطة، ومعها الفجاجة والأفكار المسبقة والمقولات المكشوفة، تتحالف لتقدم للقارئ كتابةً يمكن أن نطلق عليها صفة “السرد الشعبوي”.
الواقع أن هذا النوع من السرد هو بطل أغلب قصص هيفاء بيطار، ونجده منذ القصة الأولى التي تحمل عنوان “ليلة الدخلة والمصباح الكهربائي” وهي تتناول قصة طبيب تخرّج في أميركا وعاد ليتزوج بطبيبة مثله. وخلافاً لأي شيء قد يخطر للقارئ في الليلة الأولى للزواج، يفتح الزوج حقيبته السامسونايت ويخرج منها مصباحاً كهربائياً، ويطلب من عروسه أن توافق على فحصها ليتأكد من أنها لم تقم برتق بكارتها؟ وفي قصة أخرى بعنوان “فخ الحب” يتعارف عراقي يعيش في لندن وامرأة سورية على الانترنت، فيدعوها إلى اللقاء في باريس، حيث يمكن أن يلتقيا في شقة أخيه. ما يحدث في هذا اللقاء مكتوب بجرعة شعبوية زائدة. تكتشف المرأة أن الرجل دعاها فقط ليضاجعها، وأنه بخيل. يمشيان ثلاث ساعات في الشوارع وحين تطلب منه أن يأكلا شيئاً يدعوها إلى مطعم ويطلب ماء وحساء فقط، لكنه لا يكفّ عن إعلان اشتهائه لها، بل يقوم في كل مرة تسنح له الفرصة بحك قضيبه بجسمها. ومع ذلك لا يقوم بأي مبادرة لتنفيذ هدفه. حسناً، الأرجح أن الجنس أيضاً، مروياً بهذه الطريقة، يعزز الصفة الشعبوية لهذه القصص.