رنا حايك
كان كلّ شيء حاضراً في ساحة الشهداء: الأجهزة والكاميرات والمراسلون واللافتات. منذ الصباح، تفرّغت المحطات العربية والاجنبية لبثّ حيّ من وسط بيروت: «الجزيرة»، «نيو تي في»، «ال.بي.سي» الأرضية (لأن برامج الطبخ والفيديو كليب كانت تحتلّ شاشتها الفضائية) ثم «المنار» وغيرها. كانت أول «لحظة إنسانية» في النهار الطويل، كما سماها مراسل «الجزيرة» عباس ناصر، عند بدء مراسم التشييع في كنيسة القديس جاورجيوس. لكن المحتشدين لم يسمحوا لها بأن تطول، فانطلقت الهتافات: «ليسقط بشار».
محطة «المنار» نقلت التعازي لكنها لم تنقل كلمات الخطباء. تحدّث المذيع عن احتشاد دعت اليه «الحكومة اللادستورية» في جنازة «النائب المغدور»، رفعت فيه «شعارات استفزازية تناولت رموز المعارضة». فيما تناولت مراسلة قناة «العالم» التشييع من زاوية مختلفة، «فقد كان مقرراً أن تحتلّ المعارضة الشارع اليوم، لكنها أجّلت النزول إلى وقت آخر». سؤال واحد وُجِّه تقريباً لكل المراسلين: «هل فعلاً رفضت «الكتائب» مشاركة «التيار الوطني الحر» في التشييع؟» وكان الرد بالنفي في جميع الحالات.
بعض المحطات لم تغيّر برامج بثها. «ابو ظبي» و«أم.بي.سي» استمرتا في بث الدراما، فيما أعادت قناة «هي» بثّ حلقة من برنامج «ع المكشوف» تتناول مسألة الرشوة. وبدا أن القنوات «الروتانية» لم تسمع بخبر الاغتيال من الاساس. أما المفاجأة فكانت عند تلفزيون «الجرس» حيث أخذت السياسة مكان الفن هذه المرة. وتوالت أغنيات مارسيل خليفة «تصبحون على وطن»، وأغنية زياد الرحباني «رح ينقطع البنزين بهاليومين» على خلفية صور الإطارات المشتعلة في منطقة الأشرفية وصور للشيخ بيار الجميل.
في ساحة الشهداء، غلب الطابع السياسي على التشييع. رفعت الشعارات ذاتها مع التطويع الملائم للظروف المستجدة: «أخرجوا عميل بشار من بعبدا، لا سلاح إلا السلاح الشرعي، دموع السنيورة أقوى من الصواريخ». انهمك أقطاب 14 آذار في شحن المحتشدين. وحده الشيخ أمين الجميل كان يحاول، بصعوبة، أن يسرق بعض اللحظات ليذكّر الناس بالمناسبة التي جمعتهم. أعلن عريف المهرجان: «ها هو والد الشهيد». وما إن اعتلى المنصة حتى نسي المحتشدون الخطابات السياسية والمحكمة الدولية، وهتفوا: «بيار حي فينا»... دنا منه أحدهم، نسي الكاميرات والميكروفونات، وهمس في أذنه: «اعتصام اعتصام». لكن الرئيس الجميل لم ينصع للتلقين بل وعد بخطوات سيعلن عنها لاحقاً. كان أمس يوماً حافلاً، فيه الكثير من السياسة والضجيج والقليل القليل من الصمت ورهبة الموت.