خليل صويلح
بقوة “الغرافيك” وحدها، بات بإمكان الإعلام المرئي تصنيع بطل ما. البطل هنا ليس بالضرورة أن يكون صاحب “كاريزما”. العدسة تتكفل بذلك، في “زووم” مؤثّر هنا أو لقطة جانبية هناك، وخصوصاً إذا كان “الإعلامي” قد قرر سلفاً تجاهل حقائق دامغة واستبدالها بأخرى. المشكلة أن البطل المزعوم لا ينتمي إلى زمن الحرب العالمية الأولى، أو زمن ما قبل الصورة، كي نقول إن هذه “وثائق سرية” يكشف عنها لأول مرة. إنما ينتمي إلى لحظة راهنة بامتياز، يدركها جميع المشاهدين. وهكذا فإن مكابدات “البطل” وراء القضبان مثلاً، ينبغي أن تحيلنا إلى بطل من نوع آخر، يشبه “مانديلا” على الأقل، في تحمّل ظلام السجن: الزنزانة رطبة، وصنبور الماء معطّل، وفسحة السجن ضيّقة. ولأن وراء كل بطل امرأة، فما المانع أن نتعرف إلى “جان دارك” أخرى، بصلابة قلبها وقوة شكيمتها في تحمّل دفع فاتورة الحرية. الأمر كله لا يخرج عن باب “الفانتازيا التاريخية”، أو”السيليكون السياسي” في تجميل تاريخ البطل. وما على المشاهد سوى التماهي مع التاريخ الجديد لبطله. إذ لم يعد هذا التاريخ مرويّاً من وجهات نظر الآخرين، بل على لسان البطل شخصياً، وها هو ينكر كل ما ألصق بسيرته من أفعال لا تليق بصورته الجديدة. وهو مضطر هنا إلى “تمثيل” سيرة مشتهاة، تزيح بقوة الصورة المضادة، كل ما يعيق مقاصد “الفيلم” الذي يصوّر عنه من طريق إتلاف الوثائق القديمة ومحوها. تبقى مشكلة واحدة في هذا السياق البصري، هي أن سطوة العدسة ظلت بمعزل عن أقوال البطل، الجملة هنا ضحلة ومرتبكة ومفككة، وتفتقد إلى الإقناع. المشاهد في نهاية المطاف، كان يستحضر في وقت واحد، الصورة المخزّنة في ذهنه، والصورة التي تبث أمامه مباشرة. كان ينتصر للصورة الأولى، رغماً عنه. وهي، في مطلق الأحوال، أقوى درامياً من تلك الصورة المصنّعة، والمغلّفة برومانسية من خارج زمنها.
يقول جان بودريارد في وصف عنف الصورة: “عوض أن يكون عنف الواقع ماثلاً أولاً، ثم تضاف إليه رعشة الصورة، تكون الصورة ماثلة أولاً، ثم تضاف إليها رعشة الواقع”. لكن صورة البطل، المقصود هنا، ظلت في الحدود الدنيا لبلاغة الصورة ومجازها البصري.