قاهرة ــ محمد خير
يفتتح غداً، في دار الأوبرا المصرية، “مهرجان القاهرة السينمائي الدولي” الذي يحتفي بسينما أميركا اللاتينية. وتأتي الدورة الثلاثين التي تستمر حتى الثامن من الشهر المقبل، في ظروف خاصة، يتخوّف الفنانون والجمهور من انعكاساتها السلبية. بعد تصريحاته ضدّ الحجاب، يجد فاروق حسني نفسه اليوم محاصراً بين نيران تطلق عليه من مختلف الجهات. وقد ألقت الأزمة بظلالها على أروقة المهرجان، حتى بات أهل الفنّ السابع لا يتمنون إلا شيئاً واحداً: أن تمر الدورة على “خير”. إذ إن إقالة وزير الثقافة المصري في هذا الظرف، سينعكس سلباً على أداء الجهاز الإداري للمهرجان، وتحديداً رئيس المهرجان الدكتور عزت أبو عوف الذي تمسك به الوزير ضد إرادة الجميع.
في أول مؤتمر صحافي عقده عزت أبو عوف، فاجأ الحضور بخبر استبدال جائزتي “الهرم الذهبي” و“الفضي” الخاصتين بالمهرجان بـ“مفتاح الحياة”. وبرر ذلك بأن “الهرم ثقيل” ويزعج الضيوف. بعدها أكد أن المهرجان سيقاطع الأفلام الإسرائيلية والأفلام الدانماركية، بعد قضية الرسوم المسيئة للرسول. ثم تراجع عن كلامه، ونفى مقاطعة الأفلام الدانماركية، وأصرّ على أن الصحافيين أخطأوا فهم تصريحاته. وأعلن عزت أبو عوف أن فيلمي “45 يوماً” و“ما تيجي نرقص” اللذين يشارك في بطولتيهما، سيمثلان السينما المصرية. ثم تراجع، كي لا يتعرض للانتقادات التي سبق أن واجهها حسين فهمي، حين تولّى رئاسة المهرجان. وبدا أبو عوف مشغولاً بأعماله السينمائية والتلفزيونية، غائباً عن المهرجان، تاركاً الأمور لنائبته “المرأة الحديدية” سهير عبد القادر.
ويعرض في افتتاح الدورة الثلاثين الفيلم البرازيلي “ابنا فرانشيسكو” للمخرج برينو سيلفيرا. ويتناول الفيلم قصة فرانشيسكو الفقير الذي يملك حلماً واحداً هو رؤية ابنيه يصبحان موسيقيين، ويعمل المستحيل لتحقيق ذلك. والفيلم هو المرشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي. وتضمّ المسابقة الرسمية فتضم 18 فيلماً من 15 دولة. وفي ظاهرة لم نشهدها منذ سنوات، تشارك مصر في المسابقة الدولية بثلاثة أفلام. لكن من هذه الأفلام، وحده “ قص ولزق” للمخرجة هالة خليل، يتمتع بقدرة على المنافسة وتحقيق إيرادات جيدة في دور العرض بعد المهرجان. الفيلمان الآخران بعيدان عن هذا الطموح. أحدهما فيلم “مفيش غير كده” للمخرج خالد الحجر، وهو عمله الثاني بعد “حب البنات”، (والتجربة الثانية للكاتبة عزة شلبي بعد “أسرار البنات”)! ومع أن القصة للشاعرة كوثر مصطفى، فإن الفيلم لن يحقق نجاحاً جماهيرياً، لسبب بسيط هو أنه فيلم استعراضي من بطولة نبيلة عبيد! وبغض النظر عن قدرات عبيد الاستعراضية، فهي ابتعدت منذ أمد عن شباك التذاكر، ولن يسعفها في العودة إليه شركاؤها في البطولة خالد أبو النجا وأحمد عزمي وأروى.
أما الفيلم الثالث “استغماية”، فيشكّل التجربة الأولى للمخرج والمؤلف عماد البهات، أحد تلامذة يوسف شاهين. فاز السيناريو بجائزة السينماتيك على هامش “أيام قرطاج” في تونس منذ عامين، وظل حبيس الأدراج في انتظار منتج متحمس. مرت الشهور وبدا أن الفيلم لن يرى النور إلى أن حمل لنا الموسم الصيفي الماضي مفاجأة اسمها “أوقات فراغ”. الفيلم الذي أنتجه حسين القلا بمجموعة من الشباب المغمورين، حقق خمسة ملايين جنيه في دور العرض. نتيجة لذلك، تحمس المنتج هاني جرجس فوزي لتكرار التجربة. هكذا تم تمويل “استغماية” من بطولة عمرو ممدوح وهايدي، إضافة إلى أحمد يحيى الذي شارك في فيلم “إسكندرية نيويورك” ليوسف شاهين .
وحده إذاً فيلم “قص ولزق” يتمتع بثقل النجوم، مثل حنان ترك وشريف منير وفتحي عبد الوهاب إضافة إلى حنان مطاوع التي ظهرت في مشاهد قليلة ولم تقدم قبلاً سوى فيلم واحد هو “أوعى وشّك”. تخوض هالة خليل في “قص ولزق” تجربتها الثانية كمخرجة، بعد فيلمها الأول “أحلى الأوقات” الذي حقق إيرادات عالية بعدما جمع حنان ترك ومنة شلبي وهند صبري، وكتبته وسام سليمان. لكن خليل كتبت فيلمها بنفسها هذه المرة. الفيلم اجتماعي يتناول أحلام الشباب البسيطة في العمل والحب ويناقش موضوع البطالة.
تجسد حنان ترك دور جميلة الشابة المحبطة التي تفكّر في الهجرة. تلتقي يوسف (شريف منير) الذي يعمل في تركيب أطباق الساتلايت. وعلى رغم أن يوسف يملك شركة صغيرة لتركيب الساتلايت، يهدده شبح البطالة بعدما امتلأت حاجة السوق من هذه المعدات. أما سامي (فتحي عبد الوهاب) فهو يعاني بطالة حقيقية ويعيش ازدواجية كاملة، إذ يظهر للناس عكس ما يبطن. تنشأ علاقة حب بينه وبين زينب (مروة مهران) صديقة جميلة، فيما تلعب حنان مطاوع دور امرأة هجرها زوجها، تعاني الإحباط الذي تنفّسه في أطفالها الصغار. يعقد يوسف وجميلة صفقة تحقق لكل منهما أهدافه، إلا أنهما يلقيان نهاية مأساوية في هذا العالم الذي بدأ يضيق بالأحلام.
والملاحظ تراجع الأسماء المكرسة في السينما المصرية هذه الدورة، لمصلحة أسماء شابة، من الجيل الجديد الذي ما زال يكافح من أجل تثبيت أقدامه في المعترك. فهل يمكن الحديث عن ورثة يتسلّمون اليوم تلك التركة الثقيلة؟