القدس المحتلة ــ نجوان درويش
يبدو “مهرجان القصبة السينمائي الدولي” الذي اختتم الأسبوع الماضي تحت شعار “من رام الله إلى العالم من دون حواجز” مثالاً جيداً على الهوس بالأسماء الضخمة. هوس بالشعارات نجد جذوره في تلك النزعة الريفية التي تجعل بعضهم يسمون المشغل الصغير “الشركة”. إن إطلاق تسمية “مهرجان سينمائي دولي” على مجموعة العروض السينمائية التي نظمها مسرح القصبة في رام الله على مدار أسبوعين، تدخل في خانة المبالغات التي لا تغفرها المخيّلة، إذ لم تكن عناصر “المهرجان السينمائي الدولي” الأساسية متوافرة: لا وجود للجنة تحكيم ولا جوائز ولا ضيوف، والأفلام المعروضة كلّها قديمة، باستثناء فيلم واحد هو “دنيا” لجوسلين صعب التي كانت أيضاً ضيفة المهرجان الوحيدة!
وفي حين يجري العرف عادة على اختيار مديري مهرجانات السينما من الشخصيات السينمائية؛ كان مدير “مهرجان القصبة السينمائي الدولي” أحد إداريي “مسرح القصبة”. أما ما أُطلق عليها “جائزة الجمهور” فقد كانت محاولة فاشلة أكثر منها تعويضاً ذكياً عن افتقاد المهرجان لعنصر الجوائز والمنافسة الحقيقية!
كما أن “تنسيق” عروض لبعض الأفلام القديمة في صالات في عمان وبيروت وبرلين وباريس شيء ليس له أي علاقة بمفهوم “المهرجان السينمائي الدولي” ولا يُكسب مهرجان القصبة صفة العالمية. “مسرح وسينماتيك القصبة” هو أول مؤسسة أو شركة تنظّم “مهرجاناً سينمائياً دولياً” باسمها. ولعلها معذورة “فالاحتلال لم يبق لنا مدينة جديرة بحمل اسم هذا المهرجان الكبير، كما تحمل كان وبرلين والقاهرة أسماء مهرجاناتها السينمائية”، كما علّق أحد السينمائيين الفلسطينيين بمرارة!
بالطبع لا خلاف على أهمية هذه الفعالية في رفد الثقافة السينمائية لجمهور محاصر كالجمهور الفلسطيني. ولا خلاف على أهمية تنظيم عروض لأفلام مخرج كيوسف شاهين في رام الله أو إعادة تقديم عيّنة جيدة من “أفلام الثورة الفلسطينية” كأفلام مصطفى أبو علي وقيس الزبيدي. هذه الأفلام نبّهت ــ من شاهدوها لأول مرة هذه السنة ــ أن موجة الأفلام الفلسطينية التي ظهرت في التسعينيات وأصبحت موضع اهتمام لم تأت من فراغ.. كل ذلك لا خلاف على قيمته وأهميته. لكن أن توضع هذه “التظاهرة” في خانة “مهرجان سينمائي دولي” فهذا أمر يبعث على الاستغراب، وخصوصاً أن رام الله سبق أن شهدت قبل سنتين مهرجاناً سينمائياً دولياً بالمقاييس العالمية.
“مهرجان رام الله السينمائي الدولي” الذي أقيمت دورته الأولى في خريف 2004 كان مهرجاناً سينمائياً بكل ما للكلمة من معنى. هذا بغض النظر عن “الاشتباكات” المؤسفة التي وقعت وتراشق الاتهامات بين صانعي الأفلام الفلسطينيين التي حالت دون استمراره.
صحيح أن “مهرجان رام الله السينمائي الدولي” أقيم بجهود متطوعين متحمسين، وأن أخطاء وإرباكات قد حصلت (بالغ البعض في رصدها وتضخيمها) لكنه كان بداية صحيحة. إذ إنه لم يتهاون مع شروط “المهرجان السينمائي الدولي”؛ من حيث دعوة ضيوف عالميين وعرض أفلام جديدة (أي الحصول عليها من موزعيها قبل عرضها في دور السينما) ووجود لجنة تحكيم وجوائز.
إن اتخاذ الاحتلال ذريعة لعدم الالتزام بالمعايير الفنية ليس أمراً صحياً على الإطلاق. كما أن استعمال الشعارات وقابلية التعاطف وغض الطرف عن حقيقة الأداء الفني، هو بالفعل أمر مؤسف. إذا أراد منظمو مهرجان القصبة فعلاً أن يصلوا العالم “من رام الله من دون حواجز”، كان الأولى بهم الا يسفّوا بهذا الشكل عن مستوى مهرجانات السينما في العالم. وربما لو تلطف “مسرح القصبة” ومنح الفعالية اسماً مناسباً كأيام القصبة السينمائية، لكان وفّر على نفسه هذه المآخذ كلها. وكان من الأجدى لو وُضعت الشعارات جانباً ويحمل المهرجان اسماً يوازيه على أرض الواقع. ولعل ذلك يذكر بآخر جملة في رواية “اسم الوردة”: “كانت الوردة اسماً ونحن لا نملك إلا الأسماء”.