الجزائر ــ إسماعيل طلاي
إذا كان الكتاب يُكتب في القاهرة ويطبع في لبنان ويقرأ في بغداد، نقترح من الآن فصاعداً أن يقال إن أخبار الفضائيات تذاع من الدوحة أو دبي، وتحلّل في القاهرة... حتى لو وقعت الأحداث في المغرب العربي أو أقصى القطب الشمالي. لا بدّ من أن يكون تحليلها من القاهرة “حصرياً” على الفضائيات العربية. أطلّت علينا أخيراً مذيعة “الجزيرة هذا الصباح” بتقرير اقتصادي يتحدث عن “نهب المال” في المغرب. وقدمت للمشاهد تقريراً إخبارياً عن تحرك لجنة من المغاربة للمطالبة بوضع حدّ للظاهرة. ولتعميق النقاش في الموضوع، عادت المذيعة إلى تكرار الجملة التي ألفنا سماعها لسنوات طويلة، قالت “وللنقاش حول الموضوع، معنا من القاهرة الأستاذ”. وبعد ثوان، بثّت قناة “الجزيرة” أيضاً تقريراً عن “أغنية الراب في الدول العربية”، وتكررت الأسطوانة نفسها: “وللحديث عن انتشار أغنية الراب في الدول العربية، معنا من القاهرة الأستاذ ...”.
ولأن القاهرة كانت أم الحضارات وبلد العلوم والثقافة، إلا أن المشاهد العربي، ولا سيما في منطقة المغرب العربي، يشعر أحياناً بالتذمر والاستفزاز والإقصاء، كلّما تابع ما تبثّه الفضائيات العربية من برامج مختلفة، سواء إخبارية أو فكاهية أو تسلية أو أحد ضروب تلفزيون الواقع... كلها تكاد تلتقي في ميزة واحدة: 90 في المئة منها تنقل مَشاهد من دول المشرق العربي حينما تفتح النقاش حول ظاهرة معينة، وسط حضور ضئيل إن لم نقل معدوماً للمغرب العربي. ولتحليل الأخبار العالمية، تتبع هذه الفضائيات المنطق نفسه: 90 في المئة من المحللين والأساتذة والخبراء تأتي بهم الفضائيات من القاهرة، والبقية القليلة من لبنان، ونادراً من السعودية أو سوريا أو الأردن. لو كانت استعانة الفضائيات العربية بمحللين من القاهرة للنقاش في مواضيع تخصّ مصر فقط، لكان الأمر طبيعياً. ولن يعود هنا السؤال مطروحاً عن سر سيطرة أخبار مصر على الفضائيات، لأن القاهرة شكّلت محوراً للأحداث العربية منذ زمن بعيد بفضل دهاء دبلوماسيتها. لكن المثير في الأمر أن تلجأ معظم الفضائيات، على اختلافها، إلى القاهرة ثم بيروت لاستجواب أساتذة ومتخصصين في قضايا السياسة والاجتماع والرياضة... هذا الواقع يدعو الى التساؤل إن كانت الفضائيات العربية تتعمّد إقصاء خبراء المغرب العربي وبقية الدول العربية من برامجها الحوارية عمداً أم لجهلها بهم؟
في جميع الأحوال، فالمنطق يقول ــ على سبيل المثال لا الحصر ــ إنه لا يمكن محلّلاً من القاهرة أن يكون على دراية أكبر من أهل المغرب بشؤون نهب المال العام. و“الجزيرة” تدرك جيداً أن الشارع المغاربي يشهد أكبر نسب الإقبال على أغاني الراب من شبابه الذين فضّلوا تقليد الغرب. وكان يمكن القناة القطرية أن تستعين بمكتبها الجديد في الرباط لإعداد تقرير عن الموضوع. لربما أمكن التماس بعض العذر للفضائيات العربية على اختلافها حينما تعمد إلى “تهميش” خبراء ومحللي منطقة المغرب العربي وغيرها من الدول العربية من برامجها، حينما تستنجد تلك الفضائيات بحجة “مقص الرقابة” و“منع البث” التي تتعرض له تلك الفضائيات (وخصوصاً “الجزيرة”) في دول عديدة. إلا أنها (أي الفضائيات) عندما تبثّ أخباراً أمنية عن الجزائر وظاهرة الإرهاب، تعود إلى القاهرة لتسأل ضياء رشوان الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية عما يحدث في الجزائر. فهل الجزائر “عقيمة” من الخبراء الأمنيين؟ والحال أن “سي إن إن” و“أورو نيوز” وغيرها من الفضائيات الغربية تستعين بالخبراء الجزائريين لتحليل الأوضاع الأمنية في الجزائر، بل للحصول على معلومات عن شبكات الإرهاب والجماعات المسلحة في فرنسا ولندن... فلمَ تتجاهل الفضائيات العربية خبراء المغرب العربي، وأهل مكة أدرى بشعابها كما يقال؟