strong>رنا حايك
«نيو تي في» في الضاحية والطريق الجديدة، «ال بي سي»
في بكفيا ومستشفى مار يوسف، و «المستقبل» تستعين بصور زميلاتها... لكل حدث في لبنان قناته، والأداء المهني يشترط «شاهداً من اهل بيته»


تتسابق وسائل الإعلام دائماً على الحدث. تعلن حالة الاستنفار فور ورود “الخبر العاجل”، وتسعى لنقله لحظة وقوعه. حتى انجرّت إحداها يوماً، على سبيل المزايدة التي تحولت إلى نكتة في الوسط الإعلامي، إلى اعتماد شعار “إعلان الخبر قبل حدوثه”...
في لبنان، تكتسب المعايير المهنية معنى مختلفاً، يتناسب مع تركيبة هذا البلد. فالسرعة في نقل الحدث تعتمد شروطاً تتخطى نشاط فريق العمل وجهوزيته. إذ إن المرجعية السياسية لصانع الحدث، والحسبة الجغرافية السياسية لموقع الحادثة، تتحكمان في مدى سهولة أو صعوبة نقله في الوسيلة الإعلامية التي، شاءت أو أبت، تُحسب في النهاية على فئة معينة.
وهنا، قد تفلت المحطات الفضائية من المعادلة، لكن القنوات اللبنانية تستحق هذه المواجهة كل مرة تسعى فيها إلى تغطية الأحداث المحلية.
ها هي قناة “نيو تي في” التي تسمّر المشاهدون أمامها خلال فترة العدوان على لبنان، تنسحب بهدوء أمام “أل بي سي” خلال تغطية أحداث الأسبوع الماضي. أدرك المشاهد اللبناني أن متابعة تداعيات اغتيال وزير الصناعة اللبناني الشيخ بيار الجميل على شاشة “أل بي سي” ستكون استثنائية، فحين “يشهد شاهد من أهله”، يعرف المتلقي أنه لن يفوت شيئاً من التفاصيل. ولأن “أهل مكة أدرى بشعابها”، انفردت “ال بي سي” ببث صور حية من داخل مستشفى مار يوسف التي نقل إليها الجميّل.
“لم نحاول الدخول حتى إلى المستشفى بسبب الزحام وحالة الفوضى” يقول غسان حجار، معدّ نشرة الأخبار في “نيو تي في”. يعترف بأن “الشباب” يواجهون صعاباً جمة في نقل الخبر حسب المنطقة التي يقصدونها والحدث الذي يغطونه. فـ “في الضاحية ومناطق التيار الوطني الحر، يكون مرحّباً بنا. أما الأسبوع الماضي، فالموضوع لم يكن سهلاً: تعرّض فريق العمل للشّتم في بكفيا خلال مراسم الدفن، واتهمهم بعض الحاضرين بالتحريض”. وفي ساحة الشهداء، أوقف شخص ــ لم نعرف حتى الآن صفته الرسمية ــ مصور القناة ومراسلها، ومنعهما من دخول الكنيسة... أحياناً، يعمد الصحافي إلى التكتم عن هويته والمؤسسة التي يعمل فيها بغية تسهيل المهمة. في بكفيا، نزع المصور “لوغو” المحطة عن الميكروفون، ودخل وسط الجموع لنقل كلمة أحد السياسيين... طبعاً هذا الأمر يستحيل على المراسل لأن وجهه معروف، وهو بالتالي لا يستطيع إخفاء هويته”. هذه المصاعب قد تتحول إلى مزايا في مكان آخر... فالفريق الذي شُتم في بكفيا، كاد أن يواجه بالضرب أثناء تغطيته تظاهرة طريق المطار ليلة التشييع، بعدما اعتقد المتظاهرون أن الصحافي والمصور هما من محطة “المستقبل”، “لكنهم سرعان ما هدأوا فور معرفتهم بأنهم تابعون لقناة “نيو تي في”.
أما بالسنبة إلى “المستقبل”، فيشرح مدير الأخبار راشد الفايد أنهم “على عكس الصحافة المكتوبة، في حالة طوارئ دائمة وعلى احتكاك مباشر مع الشارع”. هذا الشارع، يتعامل معه الإعلامي ــ على حد قوله ــ بحذر، “فالعاملون في الإعلام المرئي لا يستطيعون التكتم عن هويتهم. وإزاء بيئات تغلّب غرائزها على أعصابها، تحاول المحطة تجنّب الاحتكاك”. وهي تفضّل عدم دخول هذه الأماكن التي آثر راشد ألا يسمّيها منعاً «لأي استفزاز»، مؤكداً أن التعاون بين المحطات يقدم مخرجاً للمأزق، “ففي حال تعذر عليّ إرسال صحافي ومصور إلى مكان الحدث، أستعين بمصور “نيو تي في” أو “ال بي سي” أو “المنار”. يتفق القيمون على وسائل الإعلام اللبنانية ومديري أقسام الأخبار فيها على أن المعطيات السياسية تؤدي دوراً جوهرياً في التحكم بنوعية النقل الحي للخبر. فهي ترتقي به ليكون شاملاً متكاملاً أو تهبط به إلى مستوى أداء أقلّ من المطلوب”.
أخيراً، تثير هذه الظاهرة تساؤلاً عن الميزة التي من المفترض أن تكون لدى وسيلة الإعلام الرسمية الوحيدة. هي قادرة على إبعاد شبهة الانحياز عن أدائها، وعكس جميع وجهات النظر، لكن «تلفزيون لبنان» لا يستغلّ فرصته الذهبية.