strong> مهى رزاقط
يتناقل اللبنانيون فيلماً مدته دقيقة وخمسون ثانية يظهر الشهيد بيار الجميّل في المستشفى إثر اغتياله وهو يخضع لعمليات تقطيب جراح في رأسه. وقد حرص «المصوّر» على التقاط جميع التفاصيل في غرفة المستشفى: الوالد المصدوم، الوالدة المنهارة، الشقيق الجاثي على ركبتيه. ولم ينج جثمان الشهيد سمير الشرتوني من «حشرية» الكاميرا فالتقطته على الرغم من قساوة المشهد الذي كان يعود إلى وجه الجميل تحت مبضع الطبيب. لا يتضح من الفيلم الذي التقط عبر الهاتف الخلوي إن كان صوّر مباشرة إثر عملية الاغتيال أم بعد الإعلان عن وفاة الجميّل. لكن وجود الأهل يوحي بأن الوزير الشاب كان قد فـارق الحياة.
لا يمكن التكهن بما فكر به صاحب الهاتف لدى التقاطه هذه الصور: هل شعر بأنه شاهد على لحظة تاريخية، فرغب في تسجيل الحدث؟ أم أنه فكر بعرضها على أصدقائه ليكون متاحاً له بالصوت والصورة شرح تفاصيل وصول الجميّل إلى المستشفى، عمليات إسعافه ثم إعلان وفاته؟ أم هي مجرد هواية؟
كلها احتمالات واردة، وقد يمكن تبريرها. لكن ما هو غير مبرر، نشرها بين اللبنانيين، لتصبح بعد مرور أسبوع على عملية الاغتيال في متناول كل من يملك «بلوتوث» في هاتفه أو بريداً إلكترونياً. واللافت «الإقبال» الكثيف الذي يشهده الفيلم من اللبنانيين. قد لا يبدو ذلك غريباً على جمهور تلفزيون الواقع، لكن الغريب أن يصل الأمر إلى كل هذا «الترحيب». جرت العادة أن تواجه وسائل الإعلام، لدى انتهاكها المحرّمات ــ للموت حرمته ــ انتقادات لاعتدائها على الخصوصيات. لكن، في عصر انتشار وسائل الاتصال الحديثة، تطول تلك الانتقادات كل من يجد نفسه أمام فرصة سانحة لالتقاط صور مماثلة في ظروف مماثلة... لينشرها من دون رادع.
في هذا الزمن باتت الصحافة “مهنة داشرة” يمارسها من يحب، كيفما يحبّ. فهل نطالب بتلقين أخلاقيات هذه المهنة المستباحة لجميع المواطنين؟ أمام مستلزمات الأخلاق لا فرق بين صحافي وهاوٍ...