خليل صويلح
قد يكون من سوء الطالع، أن تبدأ صباحك ببرنامج يدعو إلى تصدير «التخلف» بأبهى صوره، معتمداً أحدث الوسائل التقنية. لكن قناة «شهرزاد» أو «كنوز» تفوقت على الجميع في هذا السياق. يخيل إلى المشاهد أن فريق عمل القناة اجتمع قبل البث مباشرة، وفكر ملياً في اختراع برنامج، لم تسبقه إليه أي فضائية أخرى. وإذا كانت قناة «الحقيقة» تخصصت بشفاء المرضى عن طريق «المشايخ»، فإن «شهرزاد» وجدت هدفها بطرد العفاريت بالتعاقد مع «شيخين»: الأول للفترة الصباحية ويدعى علي السباط، والثاني بعد الظهر ويدعى أبو علي الشيباني. من الواضح أن أبا علي، أطول باعاً في التعامل مع الجن، فهو لضيق وقته، يكتفي بإهداء «الممسوس» حجاباً، يكتبه على الهواء مباشرة. وهذا الحجاب كفيل بالقضاء على أنواع الجن والعفاريت. ولا يكتفي بهذه المهمة الجليلة وحسب، بل يعيد المفقودات إلى أصحابها عبر التهديد والوعيد للجناة!
أما بالنسبة إلى الشيخ علي السباط، فالأمر مختلف. صحيح أنه يناوب في الفترة الصباحية لبرنامج «خفايا»، ويجلس وراء طاولة زرقاء في استديو يشبه المطبخ، إلا أنه يلجأ إلى وصفة من نوع آخر، ويرحب بك على طريقته «مية ومرحبا». ثم يسأل عن اسمك واسم أمك، وبحسبة بسيطة، يعطيك النتيجة سريعاً: يا موسى ابن فاطمة، أنت متعب معنوياً ومادياً». تسأله المذيعة التي تجلس إلى جانبه، نظراً لضيق الاستديو: «ما هو الحل؟». بالطبع، لا شيء يصعب على الشيخ علي: «عليك إحضار وعاء صيني، وجلب كمية من المسك والزعفران، وسبع ورقات من شجرة زيتون، وشرب المزيج بعد نقعه بماء المطر». ولأن المذيعة نبيهة، تسأله: «إذا لم يتمكن من إحضار ماء المطر، فبمَ يستبدله؟» فيقترح عليه ماء زمزم، وقد يوافق على مضض باستبداله بأي «نوع من أنواع المياه المعدنية الطاهرة». أما المرحلة الثانية فتتعلق بقراءة آيات في القرآن، من عشر مرات إلى مئة مرة، بحسب صعوبة الوضع.
لدى الشيخ علي توقعات غرائبية، يندر أن تكون صائبة، على رغم سهولة حدوثها، كأن يسأل أحدهم: «هل وقعت عن الدراجة، وأنت في سن الثالثة عشرة؟» وحين ينفي المتصل، يعاجله بسؤال آخر: «ألا توجد علامة جرح على رأسك؟» ينفي المتصل، فينصحه بقراءة سبع سور من آيات متفرقة، لأنه مصاب بـ «استلباس» من الجن!
إيمان بنت فوزية مشكلتها أصعب: اكتشف الشيخ علي أنها تشكو من وجع في رأس كتفها الأيسر، واكتشف أيضاً وجود شجرة أمام البيت. وحين اعترفت إيمان بأن الشجرة كانت موجودة واقتلعوها منذ زمن، وجد الشيخ علي المخبأ السري للجان، فهو يرقد أسفل مكان الشجرة، وينبغي رش مكانها بالملح والفلفل، وقراءة ثلاث آيات.
في الجزء الثاني من البرنامج، نقع على اختصاص آخر للشيخ علي السباط، فهو مختص أيضاً بعلاج الحزن والكآبة.
وكي لا نهدر للمذيعة النبيهة حقها، نقول إنها كانت حاضرة على الدوام، منبهةً المشاهدين لحظة خروج الجان من أبدانهم. إذ سيصيبهم دوار خفيف، في الجزء الأيسر من الكتف، أو من الإبهام، وأن البرنامج علمي وبعيد عن الشعوذة.
المحطة التي تبثّ من منطقة الحمرا في بيروت على قمر «نايل سات» الصناعي، تغير شعارها حسب برامجها: فهي «كنوز» عندما تعرض برامج الشيخ علي البساط والشيخ علي خليفة والشيخ أبو علي، فيما تصبح «شهرزاد» حين تعرض البرامج الخاصة بالمرأة أو بالتبصير. وفيما تقدم القناة للمتصلين أرقاماً دولية من سورية والكويت والسعودية... حرمت المشاهد اللبناني فرصة الاطمئنان إلى المستقبل (وهو أكثر المحتاجين إلى ذلك)، ولم تضع أي رقم لبناني! واللافت في كل هذا أن معظم المتصلين بالبرنامج، هم من الجيل الشاب، وهذه مصيبة أخرى.