بيار أبي صعب
وصلتنا بالأمس رسالة عتب، رقيقة ومهذّبة، من أحد أعضاء مجلس بلدية بيروت. وهذا العتب نعتزّ به، ونريده منطلقاً لحوار هادئ في الدور الذي يمكن أن تلعبه البلدية المذكورة، في الحياة الثقافية للعاصمة اللبنانية.
العتب يتعلّق بإشارة عابرة وردت عن البلدية، في مقالتنا (أول من أمس) عن الأسبوع المسرحي الفرنكوفوني في بيروت. «المسرح مدينةً مفتوحةً» يقول شعار التظاهرة التي رعتها جهات عدّة في فرنسا، و... بلديّة بيروت. لكن «المدينة المفتوحة» تتوقف، للأسف، عند حدود الشعار... فـ «التبادل» الثقافي يكون في اتجاهين، فيما الأسبوع يقتصر على استيراد عروض مسرح الـ «رون بوان» الباريسي، وخلطها ــ من دون تخطيط ــ بقليل من حواضر البيت اللبناني التي لا ترقى إلى مستوى اللقاء المفترض.
مسارح بيروت الثلاثة (مونو ــ المدينة ــ دوار الشمس)، خرجت فجأة من رقادها، لتستقبل أعمالاً لا نعرف من اختارها، ولا كيف اختيرت ولماذا (بغض النظر عن أهميتها الفنيّة). في حين أن الشراكة تكون في صياغة المشروع... والشراكة بين بلد عريق بتقاليده المسرحية، وبلد لم يعد عنده مسرح بعد أن كان مختبراً عربياً رائداً في سبعينيات القرن الماضي، لا يجوز أن تقتصر على تعاطٍ فوقي مع المستعمرة السابقة. جان ــ ميشال ريب وصحبه تعاملوا مع المكان ــ من دون قصد ربّما ــ بصفته احتمالاً ترفيهياً وتسويقياً، مثلوا أمام جمهور غامض الملامح.
إذا كان لا بدّ من دعم فرنسي للمسرح اللبناني، فليكن على مستوى الإنتاج المحلي والبرمجة والتوزيع، وإعداد الفنانين والتقنيين والإداريين، وحماية فضاءات الثقافة من الاحتضار البطيء. أما العروض، وباريس تغص بالأعمال المميزة، فمن الطبيعي أن يكون للطرف اللبناني رأيه في اختيار ما يحتاجه منها. وإلا فلتقدم «البعثة الفرنسية» ما تشاء لجمهورها، في قاعتها الخاصة على طريق الشام.
هذا ما حاولنا أن نقوله، حين أشرنا إلى أن ممثل برتران دولانوييه (عمدة باريس) الذي لا يعرف شيئاً عن المكان وأهله، شكر في الافتتاح، بكل دبلوماسية، رئيس بلدية بيروت... ظناً منه على الأرجح أن بلديتنا تشبه بلديتهم. بلدية باريس تخصص جزءاً مهماً من موازنتها الضخمة للثقافة، فماذا عن بلدية بيروت؟ نحن نتمنّى أن يكون لبلديتنا اهتمامات ثقافية، قائمة على موازنة واضحة وجهاز كفء وسياسة متماسكة (بعيداً عن المحسوبيات والدكاكين اللبنانية). ولا شك أن بين أعضاء المجلس البلدي ــ وأهل المدينة ــ من يشاطرنا هذه الأمنية. فلنبدأ إذاً، لكن ليس بدعم المسرح الفرنسي!