الرياض ـــ غانم عبد العزيز
فجأة بعيد انطلاق المقدمة الموسيقية للمسرحية، اعتلى الخشبة شاب متوتّر، وراح يحطّم الديكور. نحن في السعودية، وتحديداً في «كلية اليمامة» شمالي الرياض. حدث ذلك مساء الاثنين الماضي، وكنا قد جئنا لمشاهدة مسرحية “وسطي بلا وسيط” المبرمجة ضمن فعاليات “أسبوع اليمامة الثقافي”، وسرعان ما التحقت بمحطّم الديكور مجموعة من الشباب المتشدد الذي بدا مستعداً، على ما يبدو، للواقعة... وجلس في الصفوف الأمامية. هكذا انتقل العرض من المسرح الى الصالة، وانقلب الى اشتباكات بلغت حدّ إصابة مشاهدين، قبل تدخّل عناصر الأمن. وكانت المجموعة التي تتألف من شبان متشددين تجمهرت في الصفوف الأولى قبل العرض لتصعد على المسرح وتدلو بدلوها. هكذا خلال ثوان، تحول المكان ديكوراً حياً لأحداث حقيقية فاضت من على خشبة المسرح، لتتماهى مع الواقع... علماً بأن موضوع المسرحية هو “الوسطية عند التيارات السعودية بين ليبرالية ومتشددة”.
وقال مؤلف المسرحية الدكتور أحمد العيسى، وهو عميد كلية اليمامة، إن من حاول إيقاف المسرحية بحجة تضمينها الموسيقى، هدفه الاعتداء على المجتمع السعودي برمته!
لكن لماذا هذه المسرحية بالذات؟ لماذا أثارت “وسطي بلا وسيط” كل هذا الصخب؟ يستبعد العيسى أن يكون مضمونها ــــــ أي التطرف والارهاب ــــــ هو الذي أشعل الشرارة. إلا أن بعض المسرحيين السعوديين ذكر أن الحضور الكثيف للمتشددين، يعود إلى شائعات تناقلتها مواقع الانترنت، ومفادها أنّ جمهور المسرحية سيكون مختلطاً، أي من الرجال والنساء.
وجاءت الحادثة بعد يوم واحد على ندوة “أزمة الثقافة العربية” التي ألقاها الدكتور عبد الله الغذامي ضمن البرنامج نفسه. وشكّلت تلك الندوة دليلاً آخر على الصراع الثقافي والفكري الذي تدور رحاه في المملكة اليوم. في الواقع، تحوّلت الندوة أيضاً إلى مواجهة ساخنة بين المفكر السعودي البارز ومجموعة من الشباب ينتمون الى التيار السلفي... وصلت الى اتهامه بأنّه من “أهل البدع الذين لا ينبغي السكوت عن باطلهم”.
وقدم صاحب “السيدة أمريكا” تصوره لأزمة الثقافة العربية، من خلال نقد الأنساق الثقافية العربية. واستشهد بالوضع العراقي، وكيفية تحول الوفاق بين مختلف الطوائف الى حمامات دم. “أعرف عائلات سنية تتزوج من عائلات شيعية والعكس صحيح، وهناك مسلمون تزوّجوا مسيحيات...”. لم يكد الغذامي يكمل جملته، حتى تعالت أصوات في القاعة استنكاراً: “هذا حرام ولا يجوز”. أجابهم الغذامي “إني أتحدث عن واقع ما يحصل في العراق، ولا أجيز أو أحرّم...” عندها راح جزء من الجمهور يصفّق. إلا أنّ أصواتاً عادت لتعترض على التصفيق لكونه يجوز للنساء فقط دون الرجال! صورة أمينة عن السعودية الآن وهنا!