ياسين عدنان
لم يجد الباحث المغربي عبد الصمد الكباص أفضل من الجسد مدخلاً لتأملاته الفلسفية. في كتابه “الفرد، الكونية والله: الحق في الجسد” الصادر حديثاً ضمن سلسلة “أبحاث فلسفية” التي يشرف عليها مركز الأبحاث الفلسفية في المغرب، يطرح الكباص السؤال التالي: “كيف يمكننا التفكير في أفق حداثي لا موقع للجسد فيه؟” قبل أن يجيب: “لن يكون ذلك سوى إتلاف للمجال الذي تنمو فيه الحداثة وتُختبر كتجربة، أي إتلاف للحداثة نفسها وفصلها عن مضمونها وتحويلها إلى بناء لغوي...
فليس سؤالُ الجسد واحداً من أسئلة الحداثة فحسب، بل هو سؤال الحداثة نفسها. منه تبدأ وفيه تنمو وعلى أرضه تُختَبَر”.
لمع اسم عبد الصمد الكباص كأحد أبرز “الفلاسفة الجدد” في المغرب بعد صدور كتابه “المجرى الأنطولوجي”، ليكشف النقاب عن جيل فلسفي جديد. جيل له إشكالياته وأسئلته التي تختلف عن تلك التي خاضها عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري وغيرهم من الأسماء المغربية الكبيرة.
يشكّل كتاب الكباص الجديد محاولةً لإرساء مقاربة فلسفية لسؤال الفرد والكونية والله. ومن هذا السؤال ينطلق الى إعادة تعريف مهمة الفلسفة التي يؤكد أنها ليست قراءة في النصوص ولا تنقيباً في الكتب فحسب، بل هي تفكير في الوجود.
ويرى الباحث الشاب في عمله الجديد أنّ ما ينبغي الاعتناء به هو اللحظة المعاشة التي يمكن أن يكون فيها الإنسان سعيداً أو لا يكون. يقول: “لقد ظهر الحاضر كحق. أي إنه أصبح قيمة ينتظم حولها نظام أخلاقي بكامله يمكن أن نسميه أخلاق الحاضر. إن أثمن شيء يمكن أن يحوزه الإنسان في وجوده هو حاضره”.
ويعيد الكباص تعريف الفرد الذي يحدّده كحرية متعينة في الحاضر. أن يصبح الإنسان فرداً، أي أن يتشكل عصر بكامله كاعتراف بالفردية باعتبارها استحقاقاً للإنسان. “الفرد هو الإفراز النهائي لذروة صراع في التاريخ الإنساني، هو صراع الحرية من أجل أن تحظى بصيغة أكثر تعيناً في الوجود. ومن خلال هذا التعين، تُحَيِّنُ الحرية نفسها في الزمان كخبرة للحاضر”.
ويلخص الكباص في نهاية الكتاب فكرته المركزية قائلاً: “الحداثة هي عودة الجسد إلى الإنسان ليغدو فرداً، وعودة الحاضر إلى الوجود ليكون حرية”.
في الواقع، حرص الباحث المغربي على التأكيد في أغلب فصول عمله أنّ الحداثة هي الحق في الحاضر، وأن الفرد أساس الكونية. لكن ماذا عن الجسد؟ يجيب الكباص بإصرار: “الجسد هو الحاضر. لذا الحق في الجسد هو السبيل الوحيد لامتلاك الحاضر”.