خليل صويلح
إذا كان لكل قارئ كتابه المفضّل، فإن ألبرتو مانغويل وجد ضالته في كتاب لويس كارول “أليس في بلاد العجائب” الذي شكّل مفتاحه السحري إلى غابة الكلمات. يقول الكاتب والمترجم الأرجنتيني إنّه حين قرأ هذا الكتاب، وهو في الثامنة، لم يساوره الشك لحظةً بأن أليس خاضت فعلاً هذه المغامرة، بل إنه كان رفيق سفرها شخصياًُ. وما كان وقوعها في جحر الأرنب واجتيازها للمرآة سوى نقطة الانطلاق إلى الرحلة الحقيقية في الغابة.
ما يقوله لنا مانغويل، هذا القارئ الشخصي لبورخيس، من خلال كتابه “في غابة المرآة” الذي صدر حديثاً في ترجمة عربية قام بها سليمان حرفوش (“دار كنعان” ــ دمشق)، هو أنّ مكتبة الذاكرة لا تتوقف عن التغير والتبدّل تبعاً للعمر، واللهفة، والتصنيف، والهوامش. حتى إنّ العلاقة بالكتاب تتحوّل مع الوقت إلى ما يشبه “قلب السترة”. ويعتبر أن كتباً معدودة تبقى بمثابة المأوى، والأمكنة الآمنة التي تركن إليها خلال رحلة عبور تلك الغابة المظلمة التي لا اسم لها. هكذا يقلل مانغويل من أهمية “قوائم الكتب الكلاسيكية” أي الكتب المعترف بها رسمياً... معلقاً أهمية قصوى على “نزوات القارئ”. هذه النزوات التي قد تقوده إلى متعة القراءة عن طريق المصادفة، فيتحوّل الكتان خيوطاً من ذهب.
إن المخاطرة في اقتحام غابة الكتب المجهولة أمر ضروري حسب مانغويل في ظل “الميثولوجيا البائسة لعصرنا”. هذا العصر الذي يخشى المخاطرة تحت السطح. “نحن نحاذر من كل ما هو عميق الغور”. الكتاب الذهبي هو الذي يخبئ أرنباً في صفحة ما أو عبارة واحدة. وبإمكان القارئ أن يشطب مقطعاً كاملاً، أو أن يضيف هوامش عليه، ليكون كتابه الشخصي، كأي كتاب يستعصي على التصنيف.
في هذا السياق يدخل ألبرتو مانغويل باباً مغلقاً في الغابة، ويدافع بقوة عن “الأدب المخنّث”، والأدب المثلي... رافضاً تصنيفه في خانة ضيّقة، ووضعه على رف خاص في المكتبة. الأدب المثلي على وجه العموم، لا يخص كاتبه، بل يعبّر عن حقوق مهدورة لفئة بشرية. بالتالي، فإن لهذه النصوص الحق في العيش. وتتجلى أهميتها وقوتها، ليس في موضوعاتها فحسب، بل في الإمكانات التدميرية للغة.
ويستطرد بأن أهمية “الأدب الأسود” لا تتوقف عند حدود امتلاك لغة الحياة اليومية، بل في نسف الاستخدام البيروقراطي للكلمات العادية. مثلما فعل جان جينيه في “سيّدة الزهور” على سبيل المثال. ويتوقف مانغويل عند لحظة موت تشي غيفارا، فيستعير قوة الكلمات في مواجهة الضحية للجلاد، وخصوصية الكلمات لدى بورخيس العاشق وتناسل الكلمات قراءة إثر أخرى.