الرسائل المجهولة التى تلقّاها الأديب المصري طه حسين (1889 ــ 1973)، أو بعث بها الى آخرين، تكشف النقاب عن الوجه الحقيقي لصاحب “الأيام”، وعن عصر التنوير ورواده الذين اختلفت فيهم الآراء وتعددت. عُدّ حسين نموذجاً للمفكر الموسوعي الذي آمن بأن دوره يتخطّى حدود الجامعة،فهو الذي أطلق صيحة “التعليم كالماء والهواء” عندما أصبح وزيراً للمعارف (التعليم) في مصر عام 1950. الرسائل التي تنشر للمرة الأولى ضمّها مجلد ضخم بعنوان “طه حسين... الوثائق السرية” (تدقيق الناقد المصري عبد الحميد إبراهيم) وصدر عن “دار الشروق” في القاهرة. يكتب عبد الحميد إبراهيم أن لحظة تاريخية مطلع القرن العشرين هي التي اصطفت عميد الأدب العربي، شخصاً له من الملَكات والقدرات ما يخوّله أن ينطق باسمها. ويشير في تقديمه للرسائل تحت عنوان “لحظة التغريب” إلى أن كتاب “مستقبل الثقافة في مصر” الذي صدر عام 1938 كان “وثيقة إعلان انتصار النموذج الأوروبي. طه حسين وضع البذور الأولى لتفريغ الحضارة العربية من عنصر الدين”، مشيراً الى أنه كان يعتمد أسلوباً مناوراً “يدسّ” من خلاله فكرته بأسلوب يروق القارئ.
ويضم الكتاب رسائل وقصائد مجهولة كتبها شعراء وأدباء بارزون في مدح صاحب “دعاء الكروان”، بينهم العراقي محمد مهدي الجواهري، واللبنانيان خليل مطران وجورج جرداق، والمغربي علال الفاسي... ومن المصريين عباس محمود العقاد وأحمد زكي وإحسان عبد القدوس و... الشيخ محمد متولي الشعراوي.
وتكشف الرسائل جانباً من شخصية كاتبيها. يكتب عبد القدوس الى طه حسين في احدى الرسائل، معاتباً صديقه لأنه لم يرسل له كتبه: “مشكلتي الحقيقية أنّي منذ عامين فقدت الثقة في نفسي، إلى حد أني لم أعد مقتنعاً بأن لي إنتاجاً أدبياً يستحق أن يقرأه أستاذي الكبير طه حسين. ووجدت نفسي صريع أزمة نفسية قاسية أبعدتني عن كل الناس، وكل مراكز الحركة، وكل من أحبهم، واكتشفت في نفسي أني إنسان ضعيف غاية الضعف”. ويضيف عبد القدوس، الذي تناول القضايا الاجتماعية وخصوصاً ما يمس تحرر المرأة، أنه ظل يحمل ضعفه منذ الطفولة، وكان يحاول إخفاءه “تحت ستار من العناد الكاذب والغرور المفتعل”، ويرى أن الكتابة هي الوسيلة اليتيمة للهروب من ضعفه. ومن الشعر المكتوب في مدح عميد الأدب العربي، قصيدة كتبها الشيخ الشعراوي في كانون الثاني عام 1955 عندما كان عضو بعثة الأزهر في السعودية، يقول فيها: “هو طه في خير كل قديم/ وجديد على نبوغ سواء/ هو شيخ قد جمع الله فيه/ ما يريد الطموح من إرضاء”.
بعد تخرجه في الجامعة المصرية عام 1914، أقام في فرنسا حيث نال شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون (1918) عن أطروحة حول ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع الحديث. ثم تولّى تدريس التاريخ والأدب في الجامعة المصرية منذ عام 1919، إلى أن عين عميداً لكلية الآداب في جامعة فؤاد الأول (القاهرة) عام 1930. وتعرض الكاتب النهضوي لحملة في ثلاثينيات القرن الماضي بعد نشر كتابه “في الشعر الجاهلي”. إذ اتُهم بالتحامل على العقيدة الاسلامية، لكن النيابة حفظت القضيّة.
(رويترز)