مريد البرغوثي تـــــجربة شعرية عوملت على حدة، مع تجارب أخرى مثل وليد خازندار وزكريا محـــمد وغسان زقطان، في الشعر الفلسطيني الذي تلى تجارب الرواد. وإذا كان خازندار ومحمد وزقطان من أعمار متقاربة، فإن الـــــبرغوثي أكبر سناً منهم، ولذلك لا يؤلّف الشعراء الأربعة جيلاً شعرياً، لكن سمات عدة في نصوصهم، من نبرات وتدرجات وأطياف تبدو كأنها تتغذّى من مزاج شعري واحد، وهو مزاج يتحاشى التهويمات اللغوية والتعابير الجاهزة والمعنى المتداول. لقد مارست القضية، باعتراف البرغوثي، ضغطاً على نتاج الشعراء الفلسطينيين، ناهيك بالجمهور الذي “تربّى” على طريقة محـــــددة في تــــذوق هذا الشعر. كما أن النقاد ساهموا في ترويج هذا النوع من التذوق. النتاج الشعري الفلسطيني كان ضحية هذه القراءة “المتعاطفة” إذا جاز التعبير. لقد امتثل في معظمه لشروطها وظروفها، فكان ضحية مرتين: الأولى حين تماهى مع خطاب القضية الفلسطينية والمفردات المباشرة والفورية للنضال والمقاومة، والثانية حين ضحـــّى بشــــروط الشعر نفسه. أما الشعر الذي لم يتماهَ مباشرةً مع خطاب القضية، ولم يفرّط بشروط القصيدة، فقد حُكم عليه بأن يكون هامشياً... ولم يجد ما يستحق من انتشار خارج شرائح ضيقة من القرّاء الذين يعرفون أين يعثرون على الشعر الحقيقي، بصرف النظر عن موضوعاته أو مضامينه.
مريد البرغوثي هو أحد أفراد هذه المجموعة أو هذا الجيل. لقد تعرّض هؤلاء لظلم معظم النقاد والقراء، لكنهم نجوا بالشعر الذي كتبــوه، وهو الــــذي سيحفـــــظهم من النسيان.