الجزائر ــ زهية منصر
عادت قضية الرقابة الى الواجهة في الجزائر، عشية الموسم الأدبي الجديد، بعد رفض وزارة الثقافة هناك تعريب ثلاثة كتب كانت مدرجة ضمن قائمة الاصدارات المقررة في إطار تظاهرة “الجزائر عاصمة ثقافية عربية” التي تنطلق مطلع العام المقبل. الكتب الملعونة التي لن تبصر النور في نسختها الجزائرية، هي: “بريد الجزائر” لبوعلام صنصال، و“الاعتداء” لياسمينة خضرة، و“رجالي” لمليكة مقدم. وقد تعددت أسباب هذه الرقابة غير المباشرة التي وصفتها مقدم بـ“السخيفة”... وقررت الانسحاب من التظاهرة، رافضةً المشاركة من خلال أي كتاب آخر كما اقترحت عليها الوزارةمليكة مقدم عادت من مكان إقامتها في فرنسا لتشرف على تسويق الطبعة الجزائرية لكتابها “رجالي” الصادر منذ سنة في باريس، وقد سبقت ترجمته الى العربية في المغرب، ما يجعل قرار الوزارة بمنع ترجمة الكتاب غير مفهوم وغير مبرر كما أكدت مقدم. وأضافت الكاتبة ان “الرقابة ساعدتها دائماً على اعادة بناء نفسها”، معتبرةً أنّ مقص الرقيب عاد ليهدد الحياة الثقافية الجزائرية.
أما لجنة الكتب التي أُلِّفت خصيصاً للإشراف على نشاطات النشر ضمن اطار “الجزائر عاصمة ثقافية عربية”، فرفضت تصنيف قرار الوزارة في خانة الرقابة، ما دام الكتاب متوافراً في السوق الجزائرية. وعزت رفض ترجمة “رجالي”، “من قبل بعض الدول الممولة للمشروع” (الخليجية تحديداً؟)، الى طابعه “غير الأخلاقي الذي لا يتماشى مع دفتر شروط التظاهرة”. إلا أنّ بعضهم يقول بوجود أسباب سياسية مضمرة لهذا القرار، ولا سيما ان مليكة مقدم وبوعلام صنصال وياسمينة خضرة (الاسم المستعار للكاتب محمد مولو سهول) محسوبون ثقافياً على “حزب فرنسا”.
مليكة التي غادرت الوطن لتصبح طبيبة، عادت إليه “كتابة”. وبصدور روايتها “رجالي”، تكون الكاتبة الجزائرية وقّعت الكتاب الأخير في ثلاثيتها “الرجال الذين يمشون” الصادرة عام 1997، وقد عرفت انتشاراً واسعاً في باريس و“هول المتمردين” الصادرة عام 2003. قدمت مليكة في “رجالي” عالماً ذكورياً تتعرّض فيه النساء للإقصاء والتهميش. وعمدت الى فضح هذا المجتمع عندما رفضت ان تخضع لتقاليد القبيلة في تدجين النساء. هكذا سجّلت تاريخ كل الرجال الذين عبروا حياتها أو سريرها لأنّ الحب “ليس علاقة قسرية” بين رجل يريد وامراة تلبّي.
انطلقت مليكة مقدم من رواية تفاصيل حياتها مع والدها، لتقول ان المرأة مسؤولة عن جزء كبير من التهميش الذي يلحق بها، “عندما يشن الرجال الحروب، توجه المرأة سلاحها الى نساء أخريات”. وبأسلوب يحاكي كتابة المذكرات الشخصية، راحت مليكة تغوص في الأوجه المتعددة للحب، من خلال علاقاتها بالرجال من الزوج مروراً بالصديق والحبيب وانتهاءً بالأب. “أبي أول الرجال في حياتي. منك تعلمت أن أقيس الحب بمقاييس الجراح والخيبة”. هكذا بدأت الكاتبة أحداث الرواية، وخاضت في تفاصيل الطفولة حيث صورة أب يفتخر دوماً بأنه والد الذكور ويلعن زوجته أم البنات. وهكذا وجدت البطلة نفسها تصرف النظر عن ان تكون أماً، ما دامت الأمومة تجلب كل هذه التعاسة والتمييز بين الذكور “المبجّلين والإناث اللواتي لا يستحقن الحياة”.