نور خالد
كثيرة هي الإعلانات التي تروّج لمستحضرات التجميل والعناية بالبشرة على الشاشة. فهذه السوق تُقدّر بأكثر من 500 مليون دولار سنوياً، ويروّج لمنتجاتها عبر الاعلان المباشر حيناً، و“الوجه المشرق” للمغنّي والمذيع أحياناً. تتحالف وكالات الاعلانات مع صنّاع البرامج التلفزيونية لإيجاد ثقافة جديدة قائمة على قاعدة ذهبية: أصبح في إمكان كل رجل أن يكون وسيماً، تماماً مثل المغنّي وعارض الأزياء والمذيع. ما عليك سوى أن تتحمس لإنفاق “حفنة” من الدولارات أسبوعياً من أجل شراء مستحضرات معيّنةهكذا، تتصل مشاهدة معجبة بمذيع وسيم على الهواء مباشرة، وتعترف له: “أنت فتى أحلامي، أريد رجلاً يشبهك”. ولعلّ المشاهدة لا تقصد المذيع تحديداً، بل ذلك الوجه المغطّى بالمساحيق، الذي يقع تحت وطأة سحره الجميع، رجالاً ونساءً.
هناك مثال آخر: براد بيت على الشاشة حليق الذقن، ووجهه صاف خال من النمش والحبيبات الحمراء. هل يعرف نجم هوليوود أن الحلاقة المثلى تكون عادة من الاعلى الى الأسفل، فيتجنّب التهاب بشرته؟ من الجائز قول ذلك، لكن بيت، الأيقونة عند جيل كامل من شبان اليوم، ينفق مئات الآلاف من الدولارات سنوياً للعناية ببشرته، وحول العينين وحاجبيه...
ماذا عن ديفيد بيكهام، لاعب كرة القدم الشهير؟ لقد حفظنا بالتأكيد تفاصيل جسده، او على الأقلّ ما تُظهر الصورة منه. بيكهام هو الذي يقود ثورة “الذكور”، ويحضّهم على التمرد على الصورة النمطية لذقونهم المرخية، وأشكالهم الرثّة وشفاههم الناشفة. لا يترك إعلاناً تجارياً الا يظهر فيه. من حسن حظه، وحظ الشركات التي يسوّق لمنتجاتها، أن الأرباح مع بيكهام مضمونة.
لكننا جميع نشّكك في صدقية الإعلان. وفي بلدنا، ما زلنا نقول عنه “دعاية”، كما لو أننا نعني “بروباغندا سياسية” تروّج للسلاح النووي.
وحتى لو ظهر بيت في اعلان الساعات، وبيكهام في اعلان شفرات الحلاقة، فمفهوم الدعاية “الغوبلزية” (نسبة الى وزير الإعلام الألماني أيام النازية)، لا ينفكّ يسيطر على علاقتنا مع الصورة الترويجية. من هنا، لجأت وكالات الدعاية الى دسّ “السمّ في العسل”، من خلال الهجوم المركّز على تلك الصور “المشرقة” للمذيعين الشباب ومغنّي الفيديو كليبات.
هم مثل التماثيل المنحوتة في ساحات عواصم أوروبية ومتاحف الشمع. كل شيء محدّد، وبلا شوائب: من السوالف إلى الرموش والخدود والشفاه... رجال الشاشة يهتمّون بمظهرهم أكثر من نسائها. الشبان يتماهون، باتوا يترددون في شراء الهدايا لصديقاتهم الجميلات، ويوفرون المال بغية شراء مرطّب لإزالة الرؤوس السوداء المدسوسة في بشرة الوجه. حينها ستصبح وجوههم صافية مثل مذيع “روتانا كافيه”، وشفاههم ممتلئة كما “المايسترو”... ومئات الأمثلة تجوز، ومئات الوجوه تلوح.
فتيان الأحلام لم يعودوا فرسان الأحصنة البيضاء، بل صورة “مفبركة” تأتي من كريمات البشرة!