نور خالد
غضبت فاتن حمامة من عمر الشريف، فقبّلت محمود ياسين. فعلت ذلك في فيلم “الخيط الرفيع” (1971)، في مشهد أثار دهشة جمهور سيدة الشاشة، من دون أن يغضبهم. تقبّلها الجمهور بعد غياب 8 سنوات، كانت خلالها محبطة بسبب انفصالها عن النجم العالمي. عادت في ذلك الفيلم “حمامة” أخرى. تمرّدت على أجواء “روضة الملائكة” التي أدت فيها معظم أدوارها السينمائية. لبست التنانير القصيرة، دخّنت الكثير من السجائر، وأظهرت انفعالات حادة وسلبية. توترت وثارت وعنّفت ياسين. أرادت أن تذهب الى الحدود القصوى في تكسير صورة المثال والأيقونة. الصورة التي حرصت على ترسيخها وترويجها طوال عقود، فخذلتها. لقد هجرها الشريف، وقال بعضهم: “كان يحتاج الى غواية أكبر”. جسّدت حمامة في الفيلم شخصية منى التي لا تتوانى عن إظهار معاني الاشتهاء. تشتهي حبيبها وتنتظره في البيت على مائدة صارخة بالشموع. تشتهي نجاحه ثم تثور عليه. هل كنا لنتخيل فاتن حمامة من قبل تصرخ في وجه أحدهم: “يا ابن الكلب!”.. ثم تضربه وتضربه. في “الخيط الرفيع” كانت كذلك. لم يغضب الجمهور. انتصر لبطلته وتضامن مع رغبتها في الثورة. الانتقام من تخلّي الشريف عن محبوبته، كان قد تحول الى مطلب جماهيري متجاوزاً المعاناة الشخصية.
اقترنت صورة محمود ياسين بتلك الفكرة. انه الدونجوان الذي لا يكتفي بسلب قلوب النساء، بعدما يلاكم “الشرير”، ويترك شعره يتطاير في الهواء، وينتابه الشك ثم يتوب. كان متمرداً بدوره على الصورة التقليدية للدونجوان التي قدمها من قبل يحيى شاهين وشكري سرحان وكمال الشناوي. في “أنف وثلاث عيون” جسّد تلك الفكرة بامتياز. انه معشوق ماجدة وميرفت أمين ونجلاء فتحي، يحررهن في الوقت نفسه من “العقد” الدفينة في أعماق كل منهن، ويدعم تمردهن. في “حبيبتي”، مع فاتن حمامة مرة أخرى في مطلع السبعينيات أيضاً، كان “الخبيث” الذي يسأل حبيبته أن تخلع ملابسها بدعوى “الرغبة في درس مقاييس جسدها”. في الفيلم الذي صور في لبنان قبل اندلاع الحرب الأهلية، وظهرت فيه حديقة الصنائع مسرحاً لأحداث رئيسية، أدت سيدة الشاشة دوراً مركباً، أدهش جمهورها أيضاً. كانت الفتاة التي تكذب لتستدعي الحنان. تختلق القصص، من دون وعي، لكي تظل محاطة بالحب والرعاية. بدت كالمصابة في صحتها النفسية. ثم توّج “أفواه وأرانب” لبركات 1977 مسيرة حمامة مع ياسين، في دور آخر لا يقل صعوبة وإدهاشاً. هي قصة “نعمة” الفلاحة التي تبهر سيدها الثري بحكمتها وفطنتها وحسن درايتها. تتزوجه متحدية ظروف عائلتها، كثيرة الأنفار، الأفواه، قليلة المال، الأرانب. قد يبدو السياق تقليدياً، الا أن جملة من المشاهد، التي أدت فيها حمامة ولأول مرة انفعالات عنيفة، حوّلته عن ذلك المسار وأعطته صبغة التمرد على الصورة التقليدية. ياسين مرة أخرى كان حاضراً لدعم هذا التمرد. اعتاد الجمهور على ذلك الربط. قال بعضهم: “حين يحضر ياسين في أفلام حمامة، تخرج من جلبابها التقليدي”.
“أفواه وأرانب” الذي حقق أرقاماً قياسية حينما قدم في صالات السينما، يعرض هذا المساء عند الرابعة عصراً على شاشة “إي آر تي الأفلام 2”.