القاهرة – محمد محمود
على رغم كل الانتقادات التي تعرّض لها المغنّي الشعبي شعبان عبد الرحيم بعد إطلاقه أغنية “أنا بكره إسرائيل”، لا يزال شعبولا حتى اليوم قادراً على استقطاب الأضواء. وفيما اختفى كل المغنين الشعبيين الذين ظهروا معه وقلّدوه وجمعتهم الصحافة يوماً في صف واحد، بقي هو يصدر الأغاني واحدة تلو الأخرى.
باتت الآية معكوسة اليوم: الصحافة التي تحدثت عن انتهازية المغنّي الأمّي الذي يتلاعب بكلمات ذات خلفية سياسية على لحن موسيقي واحد، اتهمته بالرياء لأنه يدعو إلى الوطنية طمعاً بالشهرة. لكن الأقلام ذاتها عادت اليوم لتتابع أخباره بشغف، وترصد مساحة كبيرة لكلمات أغانيه الجديدة، معتبرة أن الكلام عنه سيكون حتماً خبراً طريفاً، يكسر من حدة الصفحة الأولى.
ومن يتابع “الأخبار الطريفة”، يلاحظ أن الصحافة تعامل عبد الرحيم بنوع من الفصام. فهي تكتب عن نيته الغناء لقضية ما، وتحرص على التأكيد أنه لا يعرف شيئاً عن هذه القضية. عندما غنّى ضد رسوم الدنمارك، كان واضحاً أنه لا يعرف أين تقع. وعندما أُعلن أخيراً أنه سيغنّي لإقليم دارفور، قيل إنه سأل كاتب أغانيه إسلام خليل: أين هي دارفور وهل ما يحدث هناك يمكن أن يؤثر في الساحة المصرية؟
لكن “انتهازية” شعبان ــ كما وصفتها الصحافة ــ ليست هي كل الحقيقة. فالمطرب الذي تخطّى الخمسين من عمره، هو الأسرع دائماً في رد الفعل. ومواقفه جاءت أكثر فاعلية من أصحاب الأصوات الشجية التي تنتظر الإعداد لأي أوبريت وطني. أضف إلى ذلك قدرته على شنّ هجوم عنيف عبر مقاطع بسيطة، فشتم اولمرت، على سبيل المثال، في “اثنين عساكر” التي تحدث فيها عن الحرب على لبنان، وقال إن “الدنمارك بتوع عجول” في أغنيته “خلصنا الصبر كله”.
معادلته دائماً بسيطة: كلمات من الزجل الذي يمكن توقعه، لحن ثابت، وأداء داخل الاستديو مع خلفية تنقل الأحداث التي يعبّر عنها شعبولا.
لكن النقطة المظلمة التي غفل عنها كثيرون هي إصرار شعبان كل فترة على تقديم أغنية تعاصر الحدث، وتختفي لانتهاء الصلاحية مثل الطعام سريع الإعداد. هذا الإصرار بات تأريخاً لكوارث الأمة العربية، والمشاكل المتتالية في المجتمع المصري. خلال عامين فقط، قدّم شعبان أغاني عن الحرب في العراق والرسوم الدنماركية، واغتيال الرئيس رفيق الحريري، والحوادث الإرهابية، والحرب على لبنان، وكوارث القطارات في مصر، وأخيراً دارفور وربما النشاط النووي في إيران وأزمة الحكومة الفلسطينية... هل يعني هذا أن شعبان لم يغنّ عن حدث مفرح حتى اليوم؟ للأسف، الإجابة هي نعم. وإن لم يكن وحده المسؤول، فالأفراح في بلاد العرب قليلة جداً.
أعمال شعبان تُبثّ فقط على القنوات الغنائية، لأنه ممنوع من التلفزيون المصري أولاً... ولأنه غير معتمد من الإذاعة المصرية ثانياً!