حسين بن حمزة
نال أورهان باموق جائزة نوبل. هذا خبر مفرح للأتراك، لأنها المرة الأولى التي تعترف فيها الأكاديمية السويدية بلغتهم. لكن يبدو أن الخبر السعيد لن يمر من دون منغصّات. فالأتراك مرشحون اليوم لتكرار ما فعلناه نحن عام 1988 عندما فاز نجيب محفوظ بالجائزة.
حينها استهجن كثيرون قرار الأكاديمية السويدية، وقالوا إن الجائزة مُنحت له بسبب تأييده العلني لاتفاقية كامب ديفيد. كان محفوظ يستحق الجائزة بالطبع (بعضنا بالغ في ذلك وعدّه أكبر من الجائزة؟) لكن الجائزة، المتهمة أساساً بتدخّل الاعتبارات السياسية فيها، فُسّرت سياسياً، وكان ما كان. والأرجح أن التاريخ سيعيد نفسه. فرغم الفوارق الكثيرة، هناك تشابه بين حيثيات حصول محفوظ وباموق على الجائزة: ممارسة روائية ناجحة ومواقف سياسية مثيرة للجدل.
وإذا عدنا إلى باموق، سنجد أنه في السياسة يكاد يحتل المساحة عينها التي يحتلها كروائي. بل إن اسمه كان يحضر في نشرات الأخبار، بقدر ما كانت رواياته تلقى رواجاً وإقبالاً لدى القارئ، وبالقدر عينه، راح يتصدر قائمة المرشحين لنوبل في الآونة الأخيرة. وقبلها، اختارته مجلة “تايم” الأميركية واحداً من أهم مئة شخصية في العالم هذه السنة. كما حصل في العام الماضي على جائزة السلام التي يمنحها معرض فرانكفورت الدولي للكتاب. والأهم أن كل ذلك حصل بعد الدعاوى التي رفعت ضده بسبب انتقاداته الحادة للأخطاء التاريخية التي ارتكبتها تركيا والمتمثلة في مجازر الأرمن وقمع الأكراد. كان باموق مهدداً، ولا يزال، بالسجن في هذه القضية. وقد ساهمت الضغوط الأوروبية خصوصاً، في تأجيل محاكمته أكثر من مرة. بل إن باموق استُعمل في مفاوضات تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلى درجة أن المفوض الأوروبي لشؤون توسيع الاتحاد، أولي ريهن رأى وقتها أن محاكمة باموق ستكون اختباراً حاسماً لتركيا في سعيها للانضمام إلى أوروبا، ورأى أن تركيا هي التي ستُحاكم وليس باموق.
لقد بدا في بعض الأحيان أن سيرة الرجل، المعارض للذاكرة التركية، تسبق سيرته العادية لكونه روائياً. والأرجح أن ذلك ساهم في رواج أدبي ونقدي إضافي كان باموق يستحقه لاعتبارات أدبية وجمالية، بسياسة ومن دونها. فهذا الكاتب ناضل بنبرته الروائية ليراكم ثقة قرائه في تركيا والعالم برواياته. لكن حصوله على نوبل بالتزامن مع ملاحقته قضائياً ومشكلات تركيا مع نفسها ومع أوروبا، كل هذا سيثير شبهات وعلامات استفهام حول الجائزة .بالنسبة إلى أتراك كثر، قد يبدو الأمر على هذا الشكل: نوبل تمنح الجائزة لكاتب تركي وتوجّه صفعة لبلاده!