نور خالد
كان يفترض أن تكون لبنى عبد العزيز أحد وجوه شاشة رمضان هذا العام. لكنها لم تدخل «السوق» الدرامي، واستعاضت قنوات الافلام عن ذلك بتكثيف عرض افلامها في الآونة الاخيرة. المسلسل الذي لم نشاهده سبق واعلن عن عنوانه وهو «السائرون نياماً”. الاسم موحي. لعلّه يختزل الى حد كبير موقف صاحبة “عروس النيل” و“الوسادة الخالية” من السينما، ومن التمثيل والشغف والمغامرة والجنون. إنه كلامها بعد العودة: بعد غياب أكثر من أربعين سنة، أطلّت لتقول إنها “فاقدة للذاكرة”، والحنين. أكدت أنها لم تشاهد أفلاماً عربية خلال تلك العقود التي قضتها “هاربة” من شيء ما، في الولايات المتحدة الأميركية. تزوجت السمراء الجميلة بعد آخر فيلم مثّلته عام 1969، “أضراب الشحاتين”. وكان ذلك كافياً كي تتخلى عن السينما.
كيف نفهم ممثلاً يقول إن السينما لم تكن، أصلاً، “كل شيء في حياته”، وأنه قادر، في لحظة تداول الأولويات أن يضعها في أسفل القائمة؟ أليس عشقاً ذلك الذي يجعل المشخّصاتية يفنون أعمارهم في حب الشخصيات وتلبّس أحوالها؟ أليست عشقاً تلك العلاقة التي ننسجها مع صورهم، فيغدون جزءاً من مخيلاتنا وأفكارنا و“صرعاتنا”؟
لكن عبد العزيز، في لحظة صفاء “متماه”، قالت إنها لم تحب التمثيل أصلاً. كأنها اعترفت بأن تلك المرأة الساحرة التي أثّرت في جيل كامل من الفتيات في الستينيات، وبثّت إليهن رسالة إحسان عبد القدوس في “أنا حرة”، لم تكن جادة. وأن معشوقة العندليب التي يبحث عن وجهها في “وسادة خالية”، ليست صورة حيّة للغرام وألمه، وأن جهاد في “واسلاماه” لم تكن صورة حية للمقاومة ضد الظلم والاستعباد. في سبع سنوات فقط، من عام 1959 حتى عام 1967، مثّلت عبد العزيز 18 فيلماً، لا يزال الجمهور يتذكر غالبها، بشغف وفرح. الشغف والفرح اللذان لم تبديهما عبد العزيز، وهي تدلي بتصريحات “العودة”. بدت فعلاً “كالسائرين نياماً”، وهي تتكلم عن التمثيل الذي كان من “السهل أن تنسلخ عنه”. لعلها حتى اليوم، وبعد مرور كل ذلك الوقت، لا تزال ترفض ان تبوح بالسر. لماذا هربت، في تلك اللحظة السياسية الحرجة التي كان يعيشها الشارع العربي وقادته؟ هل هناك سر أصلاً أم خدعة؟ خدعة حبّ التمثيل ووهم التماهي الساذج مع عشّاقه.
هل كانت عبد العزيز بارعة في التمثيل، كما نبرع في أمور حياتية تافهة لا نحتاج إلى أن نعشقها، بالضرورة؟ كأن نأكل ونشرب ونمارس الحب...
في صغرها اشتهرت عبد العزيز بتقديم برامج الاطفال مثل “ركن الطفل” و“العمة لولو” ثم اتجهت بعد انهاء دراستها لتقديم البرامج الحوارية وأشهرها “بورتريه” الذي استضافت فيه كبار رجال الفكر والأدب والسياسة.