رنا حايكهذا الموسم أيضاً اختارت حنان ترك أن تعالج قضية إنسانية، فكان مسلسل «أطفال الشوارع». إلى أي مدى نجحت في مقاربة هذه المعضلة الحقيقية في المجتمع المصري؟

قد لا تكون مصادفة أن ترتدي حنان ترك الحجاب، مع بدء تصوير أول مشاهد مسلسلها الجديد «أولاد الشوارع». يوم اتخذت قرارها، أعلنت أنها ستتبنى في أعمالها المقبلة اتجاهاً فنياً يميل إلى الاعتدال. وأكدت أنها لن تقدم بعد اليوم إلا فناً خاصاً، يسهم في تسليط الضوء على مشكلات المجتمع، كما حصل في مسلسل «سارة» الذي عرض في رمضان الماضي وتحدثت فيه عن وضع ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع العربي. بدأ الهاجس الاجتماعي يؤرق حنان ترك منذ أدائها ذلك الدور. رافق هذه الالتفاتة إلى المواضيع الاجتماعية، صحوة دينية لدى الممثلة وراقصة الباليه التي قررت ارتداء الحجاب في عزّ تألّقها الفني. التفتت فجأة إلى قضية “عمالة الأحداث”، بعدما أغضبت بائع المحارم الذي استوقفها في الشارع، فأعطته نقوداً من دون أن تأخذ علبة المحارم. رمى الشاب النقود في وجهها، وأخبرها بأنه لا يتسول، بل يعمل حتى يستطيع إكمال دراسته الجامعية.
بعد تلك الحادثة، اقترحت ترك على تلفزيون «دبي» معالجة مشكلة أولاد الشوارع، في مسلسل ثانٍ ينتجه بعد «سارة»، وجاءت الموافقة.
في مسلسل «سارة»، بدأت الحسابات الخاطئة في اللحظة التي أسند فيها دور البطلة ذات الانفعالات الهستيرية إلى حنان ترك. فهي ممثلة معروفة بأدائها الانفعالي، والشخصية التي تؤديها تملك مخزوناً فائضاً من العصبية، فكانت المحصلة جرعة زائدة من التوتر، أحاطت بجو المسلسل .
ترك التي أكدت أنها درست شخصيتها جيداً قبل أن تؤدي الدور، لم تقنع الكثيرين في أدائها. لكن اللعبة استهوتها. وحين استضافتها هالة سرحان في برنامج «هالة شو»، طلبت منها تقديم إعلان «روتانا»، كما تسأل ضيوفها عادة. فارتكبت ترك خطأً ثانياً حين قدمت الإعلان متقمصة دور سارة. هكذا، أساءت اللقطة الترفيهية إلى مرضى التخلف العقلي، وسخرت «بطلتهم» من معاناتهم.
«أولاد الشوارع» الذي يعرض حصرياً على شاشة «دبي»، كان المحطة الثانية. في هذا المسلسل أيضاً، بدأت الحسابات الخاطئة منذ لحظة الإعلان عنه في مؤتمر صحافي، دعي إليه أطفال مشردون ليبتسموا فـ «تطلع الصورة أحلى». هؤلاء قدموا دعماً لمسلسل من المتوقّع أن يجني حتماً ربحاً وفيراً على حساب أجسادهم الهزيلة الجائعة.
وتوالت الأخطاء في المسلسل، لتطال هذه المرة الكتابة والإخراج. خلا السيناريو الذي كتبته شهيرة سلام من أي حديث عن الطبقة الوسطى. واقتصرت الشخصيات الأساسية على أفراد عائلة ثرية، تمثلت بزوجة تراهن على تلميع صورتها من خلال افتتاح ملجأ للمشردين، وابنها الذي يختار «أطفال الشوارع» موضوعاً لبحثه الجامعي، ليتسنى له الاقتراب أكثر من حبيبته (المشرّدة). وفي ملجأ آخر تديره رجاء الجداوي (آتية من عالم الأثرياء أيضاً)، يعامل الموظفون الأولاد بقسوة بالغة. حرصت الكاتبة على عدم المساس بالمسلّمات، فالأغنياء فقط هم الذين يقومون بأعمال الخير خدمة للمظهر الاجتماعي. وتجاهلت سلام شريحة مهمة هي الطبقة الوسطى التي تؤدي دوراً بارزاً في نشاطات الجمعيات الأهلية. والطريقة التي تناول فيها صناع العمل شخصيات أولاد الشوارع وأداءهم والقيم التي تحكم العلاقات بينهم، تفتقر إلى الواقعية والإقناع. فالمتشرد الذي يقع فريسة طبيب يطمع في شراء إحدى كليتيه مقابل تعويض مادي، يحاول إقناعه بشراء الاثنتين!
أما في الملجأ، فيعيش الأطفال قصصاً مشوّقة، قد تزيد لعبة الإثارة، لكنها تفتقر إلى المنطق. داخل جدران هذا الملجأ، تسيطر فتاة على زميلاتها بقوة شخصيتها وقدرتها على «تدبير الأمور». هي تعمل جاهدة على مساعدتهن في إيجاد عمل، سيكون «غير شريف» في معظم الأحيان. تلك الفتاة تدخل في نقاش مع زميلتها «زينب» (حنان ترك). وحينما تسرّ لها زينب، بأنها لا تزال «سليمة» رغم حياة «المرمطة في الشوارع» التي تعيشها، تعاملها الأخرى بمنتهى الرّقة وتطالبها بالابتعاد عنها حتى لا تستدرجها إلى المصير نفسه. لكن من أين جاء أولاد الشوارع الذين ذاقوا مرارة النوم على الأرصفة، وجربوا عبثية الحياة وقسوتها بكل هذه الحكمة؟
قد تكون حنان ترك عرفت كيف توّظف أعمالها لخدمة صورتها الجديدة ونيتها في الانسجام مع الذات. وقد تكون اقتنعت حقاً بضرورة تسليط الضوء على هذه الشريحة من المجتمع، لكنها استعانت بمؤلفين غير متخصصين في مواضيع شائكة، يصعب تقديمها بسهولة في عمل درامي. وهذا ما أدى إلى غلبة الدوافع الشخصية والنيات الطيبة على الهمّ الاجتماعي، فكانت النتيجة مسلسلين تظهر فيهما كل عوارض التطفّل على مواضيع شديدة الخصوصية.