رام الله ــ يوسف الشايب
عشرات الأفلام المحلية والعالمية تناولت جدار الفصل العنصري في فلسطين. لذا قد تبدو مغامرة حقيقية أن يُقْدم مخرج على تحقيق فيلم إضافي يدور حول الموضوع نفسه. لكن المخرج الفلسطيني رائد الحلو قرر خوض المغامرة، وكانت النتيجة “الملائكة تحرسنا دائماً”. ويخطئ المشاهد الذي يقرر سلفاً أنّ هذا الفيلم الوثائقي الجديد ليس أكثر من تنويع على تجارب سابقة مكررة. فمخرج فيلم “لعله خير” الذي حقق حضوراً لافتاً في فلسطين، وفي عدد من المهرجانات العربية والدولية، يحمل إلينا هنا مفاجأة على قدر من الخصوصية، وتمر ساعة وما يزيد كأنها أقل من عشر دقائق.
مقاربة الفيلم لموضوع الجدار اختلفت عن بقية الأفلام التي تناولته. نقع في أسر شخصيات صادقة وحقيقية تخطفنا الى عالمها بكل سلاسة، فنشاطرها معاناتها ولحظاتها الحميمة والانسانية: نشاهد كيف يسعى سكان قرية نزلة عيسى إلى تنظيم حفلات الزفاف قرب الجدار، ليتمكن أقاربهم في “الجهة الخاطئة” من هذا “المخلوق الإسمنتي القبيح”، من مشاهدة الفرح غير المكتمل. يتجمعون على سطح منزل أحد سكان البلدة الذي فرّق الجدار بينه وبين شقيقه. ونشاهد ذلك الرجل الذي رفض كل عروض سلطات الاحتلال “المغرية” للتنازل عن منزله. منزل يبدو وردة في حقل من الشوك يغمر السياج، أو شوكة في حلق الاحتلال. ونشاهد ذلك الطفل الذي كان يصافح ابن عمه عبر فتحات صغيرة في الجدار. هذا المنظر أزعج جنود الاحتلال فسدّوا الفتحات، مع أنها صُمّمت لمنع تجمع مياه الأمطار.
مادة “الملائكة تحرسنا دائماً” لا علاقة لها بالأيديولوجيا وسياسة الشعارات. إنها شرائح حقيقية من حياة بشر عاديين، انتصب الجدار بينهم وبين الحياة. يستدرج رائد الحلو ناسه بعفوية، للحديث في تفاصيل عادية جداً، فإذا به شاعر الحكايات المهملة. الجدة خفيفة الظل تتحدث عن النكبة، وتصر على إعداد الشاي وإطعام الضيوف كي “لا توصف بالبخل”. ضابط الشرطة الذي لم يتقاض راتبه منذ أشهر، يروي حكايات عمله في تنظيف المنازل لإطعام أبنائه، وخصوصاً بعدما قضم الجدار ما تبقى من أشجار الزيتون. أبو وديع يصر على القهوة، مع ان الغاز المنزلي نادر الوجود، يغليها على الحطب ولعلها أطيب كذلك. ويصرّ أيضاً على الغناء، من قلب طولكرم المحاصرة بالأوجاع.
الفيلم المصنوع بحرفية عالية وإحساس مرهف “فلسطيني بالكامل”. إذ إنه ثمرة التعاون الأولى بين المنتج الفلسطيني قصي القط الذي يقيم في القاهرة، ومخرج من أبناء بلده. يقول الحلو: “كانت مغامرة بحق، لكن إحساسنا بالفيلم قد يجعله يختلف عن غيره من الأفلام التي أعدت حول جدار الفصل العنصري. انتصرنا لحكايات مهملة، تبدو بعيدة من دائرة الضوء ومن اهتمام كثير من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية. الفيلم يجمع تفاصيل الحياة اليومية لنساء ورجال يعتقدون أنهم يعيشون بعيداً من الجدار».
ويلفت الحلو الى اندهاشه الدائم من إصرار الناس على التمسك بالقليل المتبقي لهم، وقدرتهم على التفاؤل على رغم كل المآسي والإحباطات والظروف الاستثنائية التي يعيشونها. ويضيف: “إننا نبحث عن خيارات جمالية مجدية، للتعاطي مع كل واقع مأساوي جديد يفرضه الاحتلال، ومع التطورات السياسية في فلسطين ومحيطها. وقد استوحينا من صدق هؤلاء الناس، وبساطتهم في نقل حكاياتهم، أساس اللغة السينمائية لفيلم “الملائكة تحرسنا دائماً””.