نور خالد
الجميع يحب نجم. الشاعر في السابعة والسبعين من عمره، لا يزال يخوض معاركه بوعي كامل، ونضال كامل، ونكتة كاملة. الاسترخاء في رمضان، أمام شاشة التلفاز، كامل أيضاً. يصل إلى حد التخمة والكسل، والتزام الوفاء لبرامج تلفزيونية تدارعلى مدى ساعات، وتمتلئ بالكثير من الحكايات «الشيقة»، وإنما المعلوكة مئات المرات، من قبل، ضغطاً ولفظاً ومضغاً واسترجاعاً.
لم يكن على نيشان، في حلقته مع الشاعر أحمد فؤاد نجم، أن يبرهن عن «مايسترويته». الضيف، هذه المرة، مستعد لأن يكون، ومن دون أدنى تدخل من المذيع، «فاجومياً» خالصاً. «الفاجومي»، لمن لا يعرف، هو عنوان سيرة ذاتية للشاعر، كتبها بنفسه. قد تعني صدامياً أو كلامياً أو هلامياً، أو حتى «هاشمياً». والتوصيفات كلها، لحسن الحظ، تنطبق على نجم. وقد يكون للفاجومي معنى آخر، يبقى، في «قلب الشاعر». ذلك القلب الذي أهداه المذيع إلى ضيفه (في إحدى فقرات البرنامج)، احتوى على رقمين لسريرين في دار أيتام، كان نجم ينام على أحدهما، وكان عبد الحليم حافظ ينام على الآخر. وحين انتقل الزمن من الطفولة إلى الشهرة، «تنكّر» صاحب «حبك نار» لتاريخه، ولزميل الدار، فشتمه نجم قائلاً إنه «قليل الأصل». كرر علينا أيضاً أن الأبنودي «بوق السلطة» وأم كلثوم «سيدة تحكم مصر مثل الكلاب»، وروبي «تغني بمؤخرتها». ولم يكن رقيقاً بحق الملك حسين والرئيس مبارك، ولم يبذل جهداً في اختيار الألفاظ حينما تحدث عن السادات أو أنغام. هذه الأخيرة، عاب عليها غناءها بلهجة أهالي الخليج، ولم يعب على اللبنانيين غناءهم بالمصري، مشيراً، في «اعتداد» يحسد عليه، ولا دخل له «بالشوفينية»، إلى أن كل اللهجات تختفي حين تحضر اللهجة المصرية، فمصر هي المنبع.
لكن أحمد فؤاد نجم يقدّس فيروز ويطالب بوضع صورتها على الأرزة، وسط العلم اللبناني. ويعتبر زياد الرحباني ابنه «المعشوق». يحبهما الشاعر حباً جماً، لكنه لا يتأثر بهما كثيراً. الرحباني والسيدة اعتليا مسارح الخليج وخاطبا جمهورها في دبي وأبو ظبي والشارقة والدوحة أكثر من مرة. لم يغنيا بالمصرية ولم يسألا مرة عن هوية الأذن التي تستمع إلى إبداعهما. لا دخل للإبداع بالعنصرية، هكذا آمن نجم على مدى عقود، إلا أنه من غير المضمون توقع المدى الذي يجر إليه الناس في رمضان بفعل الاسترخاء الكامل.
الجميع يحب نجم. هو أيضاً يحب اليسا ونانسي عجرم. لا يرى في فاتن حمامة قدرة تمثيلية محترفة وصادقة، ولا في محمد عبد الوهاب موسيقى تبقى للأجيال. يفضل سعاد حسني والقصبجي. يبرهن، بدقة متناهية، عن صوابية خياره. لكن الدقة لا تحضر في حساباته طوال الوقت، وتركيزه على «مؤخرة» روبي، يفتح النقاش عن «الأدوات» التي تستخدمها مغنيات اليوم للتعبير عن أنفسهن، وهو نقاش لا يحيّد نانسي ولا إليسا بطبيعة الحال.
لا يزال الشاعر قادراً على الكلام. لكنّّ كثرة الكلام، واستسهال الخوض في هجاء أسماء راحلة، بتواطؤ بين رغبة البرنامج في الإثارة واستعداد الضيف لإبداء الكثير من العروض «المغرية»... تلك الكثرة تؤذي صاحبها، وسيسهل تشبيهه، وإن غضب، بالمطربة أصالة التي باتت تتكلم أكثر بكثير من أن تغني. بخاصة أننا شاهدنا نجم قبل اسابيع قليلة على قناة «الجزيرة» بالتفصيل، في برنامج «زيارة خاصة» مع سامي كليب، وتعرض البرنامج لكل شاردة وواردة في حياته.
قدم نيشان نسخة سهلة لنجم، تصلح كثيراً لجمهور المبتدئين. استسهل المذيع، فاستسهل الضيف الإعادة والتكرار. أما جمهور نجم المحب، فسيظل راغباً بسماع “حواديته” رغم كل شيء، ممنناً النفس بأن يعود الشاعر شاعراً... لا أن يكتفي بدور الحكواتي!