عبد الغني طليس
إذا أردنا معرفة سرّ استمرار نجومية وليد توفيق علينا أن نطرح سؤالاً أساسياً: هل يستطيع اي نجم غنائي المحافظة على موقعه من دون اهتزاز وسط ما تشهده الساحة اليوم من “اختراع” نجوم، تفرضهم القنوات الفضائية وقوة الإنتاج الموسيقي؟
لقد استطاع وليد توفيق الصمود أمام العواصف، وبعضها كان قاسياً وضارباً. صمد لأنه يملك الموهبة والذكاء، كما يعرف كيف يتأقلم مع الأجيال الجديدة. هذه الميزة وحدها كفيلة بالكشف عن السرّ الذي نحاول البحث عنه في معرض دراستنا أسباب “طول العمر الفني” لهذا الفنان دون ذاك.
وليد توفيق يدرك ماذا يريد العصر، وماذا يطلب الجمهور، وكيف يمكن الرقص على حافة النجاح والفشل من دون الغرق في أي منهما.
ليس سهلاً بقاء وليد توفيق نجماً على امتداد اكثر من ربع قرن، اي إلى ما قبل خمس سنوات حين سجل أحد ألبوماته تراجعاً نسبياً. ورأى بعضهم الامر علامة سلبية لا يجوز له التغافل عنها، وقيل إن التراجع استمر عاماً بعد عام، حتى “تمكّن” مدير شركة انتاج كبرى من اعلان نهاية وليد توفيق وإفلاسه فنياً. وعلى رغم أن الاعلان جاء نتيجة خلاف مع المدير، فإن صدى الافلاس تردد في الإعلام العربي، وحرك مياهاً راكدة تجاهه.
كان نجاح وليد توفيق في الاغاني والسينما والحفلات عارماً على مدى ربع القرن الأخير من القرن العشرين. اسم كبير أينما حّل. وكان نجوم الغناء العرب يطلعون من الخباء، من العتم الى الاضواء، وفي رؤوسهم صورة وليد توفيق “النجم العربي” الذي بقي عالقاً في قلب الجمهور لسنين طويلة.
كانوا يحاولون تقليده ويتمنون خوض التجارب الفنية التي خاضها، ويلاقون شهرة وانتشاراً كبيرين، لكن من دون أن يتأثر حضور وليد، أو اسمه، أو حسّه الشبابي الذي ظل يستهوي الكثيرين.
في السنوات الخمس الاخيرة، تبدل الواقع. بقي وليد نجماً كعادته إنما اقل حرارة. وبقيت صورته كبيرة إنما اصغر حجماً. وبقيت تجربته الفنية متميزة إنما ذهب الجمهور الى جديد، هو فقط أصغر سناً. وهذا عامل مهم جداً، إذ ذهب الجمهور الى جديد آخر، يحاكي واقعه وتطلعاته وأفكاره ومراهقته.
إنه العمر. لا يستطيع فنان أن يواجه عمره، أو أن يقفز فوقه، لا صعوداً الى أعلى، ولا هبوطاً الى أسفل. فعندما حاول بعض الفنانين “الهبوط” إلى عمر المراهقة، أثّر ذلك كثيراً في صورتهم. وعندما حاول بعضهم الآخر “الصعود”، في ما يسمى بحرق المراحل، تأذّى أيضاً.
وليد توفيق عرف في مرحلة الخمسين أنه لن يقدر على النزول الى حيث نجوم “الشباب”، ولن يقبل الانزلاق الى حيث النجوم المخضرمون وما فوق. لكن الحقيقة لا تُردّ، فعلى باب الخمسين حسابات ومعايير وأفكار أخرى.
همّ العمر ظهر جلياً في كليب “بدري” قبل سنوات قليلة عبر “المعجبة المراهقة”، وظهر في كليباته التالية. يعرف وليد أن المسألة ليست اختياراً، بل قدراً. وأغلب الظن أن النجم العربي الذي حافظ على كثير من نجوميته التي صنعها بيديه وعقله وصوته قبل “الصناعة الفضائية المبرمجة”، يمنح في النهاية الفضائيات مادة فنية دسمة، والجمهور بعض مادة مقاومة للهلع مما هو آت!