بيار أبي صعب
ميلان كونديرا مهاجر طوعي الى اللغة الفرنسية. هذه اللغة تحوّلت مع السنوات، بالنسبة الى صاحب “المزحة” من أرض لجوء وفضاء حرية، الى وطن غَرَفَ منه الكاتب، بقدر ما أعطاه وساهم في إشعاعه، شأنه في ذلك شأن الروسي أداموف، واللبناني جورج شحادة، والروماني يوجين أونيسكو، والجزائري محمد ديب، والايرلندي صموئيل بيكيت وآخرين احتضنتهم لغة موليير على امتداد القرن العشرين.
طرد كونديرا من تشيكوسلوفاكيا، واستقرّ في فرنسا منذ 1975، واعتمد لاحقاً لغة البلد المضيف أداة للكتابة. هل هو كاتب فرنسي أم تشيكي؟ أم “فرنكوفوني”؟... والخانة الأخيرة تنطوي بالنسبة الى بعض العرب على أكثر من فخّ وسوء تفاهم.
الجواب البديهي أن عالم كونديرا الروائي وموضوعاته، وحتى لغته الفرنسية، إيقاعها ومفرداتها وتقطيعاتها، كلّها تشهد على “تشيكيته”. لكن، لو لم يخرج الكاتب من بلده الأصلي، هل كان ليكون “كونديرا” الذي نعرفه، والذي يقبل على أدبه مئات آلاف القراء في كل لغات العالم؟ غادر ميلان كونديرا تشيكوسلوفاكيا على أثر ربيع براغ المجهض وتداعياته، ثم جرّد من جنسيته في المنفى. وها هي روايته الأشهر تعود الى اللغة الأصلية التي كتبت فيها، إلى المنزل الأول بعد أن تغيرت معالمه وكيانه السياسي. في تشيكيا ستصدر خلال الأيام المقبلة «خفّة الكائن غير المحتملة» التي صنعت مجد صاحبها وشهرته العالميّة (صدرت طبعتها الأولى بالفرنسية عن «دار غاليمار» ـ 1984). الرواية التي تعتمد المخطوط التشيكي الأصلي، مرفقة بتقديم وضعه الكاتب لهذه الطبعة التي تشهد «عودته» الرمزية الى بلاده.
هل نعود حقّاً إلى الوطن الأصلي؟ أين هو الوطن الأصلي في الأدب؟ وهل غادرناه يوماً؟