جميل قاسم
سيرة الشاعر المكسيكي (اللبناني الأصل) خايمي سابينس (جيمس الصغبيني) لا تنفصل عن شعره. هذا ما يعرفه جيداً قيصر عفيف، الشاعر اللبناني الذي يعيش بدوره مترحّلاً بين لبنان والمكسيك، وله ندين بنقل قصائد مختارة للصغبيني الى الضاد، لغته البعيدة... «قصائد مختارة» لخايمي سابينس، صدرت أخيراً عن «دار نلسن» (السويد ــ لبنان)، بالاشتراك مع مجلة «الحركة الشعرية» في المكسيك. وقيصر عفيف «هيّأ النص العربي» بحساسية تستند الى تلك العلاقة الحكائية بالأصل والمرجع، وإلى التناص اللغوي ــ الوجودي بينه وبين «مواطنه» في جمهورية الشعر.
مجموعات سابينس التي تنتظر من ينقلها الى العربية ثمانٍ، أغلبها اسماء علم لأشخاص او أمكنة، من «سينال» (1950) و«آدم وحواء» (1952)، إلى «سيرة موت الرائد سابينس» (1973) ثم «واحد هو الانسان» (1990). ونال سابينس عدداً من الجوائز أهمها «جائزة الادب الوطني» (1983)، مع ان النقد الاكاديمي في المكسيك لم يستسغ لغته التي تتميز بالبساطة في تعبيرها عن المعاني الوجودية العميقة. ولهذا اطلق عليه لقب «شاعر الحياة والموت».
وقد تأثر الصغبيني بهايدغر فيلسوف الزمان والكينونة. فكان بدوره شاعر الحياة والزمان والكينونة. وفي نقده مجتمع الاستهلاك وقيمه، اكد على أهمية «المقدّس»، إذ اكتشف أن أبناء مجتمع الاستهلاك يتوقون الى القداسة ولو بمعناها الدهري والانتروبولوجي. ويبدو تأثره بفلسفة الوجود والعدم، في قصيدته عن الموت الذي يرى فيه خاتمة الحياة، وشرطها العدمي: «الموت ليس الموت/ الموت ملجأ وملاذ». وفي ضجره الوجودي من سلطان العادة، يهجر الشاعر نفسه ويخلعها اشمئزازاً من العدوى، عدوى الذات للذات: «هنا يا نفس أهجرك/ هنا أدفنك».
الكتابة الشعرية هي الاكثر التصاقاً باللغة بين كل الانواع الأدبية. لذا فكل نقل الى لغة أخرى، هو كتابة ثانية، وكل ترجمة تنطوي حكماً على «خيانة» ما للاصل الشعري. فهل نجح الشاعر قيصر عفيف في اعادة خايمي الصغبيني الى بلده الاصلي ولغته العربية؟ هذه مسألة نسبية. لكن تبقى أهمية المحاولة. إعادة وصل ذاك الشاعر الذي وصفه أوكتافيو باث بأنه أهم شاعر في المكسيك بحكايته البعيدة، عبر لغة شاعر آخر هو الأكثر قرباً إليه من الوجهة الروحية والانطولوجية، ويمتلك الحساسية الشعرية نفسها. ومن الاكيد ان باث قد تأثر بالصغبيني، في لغته الشعرية، التي تحمل في ثناياها اضفاءات قديمة للغة قادمة من مناخات «ألف ليلة وليلة»، وألف شاعر وشاعر، عمّمتها العربية في الادب العالمي عامة، والأدب الاسباني خاصة، أدب لوركا، وبورخيس وخايمي سابينس أخيراً.