محمد شعير
يحكى أن إدوارد سعيد لم يرضَ يوماً عن ترجمة كمال أبو ديب لكتابه “الاستشراق”. لغة سعيد التي تميّزت بالبساطة على الرغم من ثرائها وعمقها، تحولت على يد أبو ديب (وإن أرضت ترجمته طموح كثيرين) إلى نوع من الكهنوت. من هنا تعالت أصوات داعية إلى إعادة تعريب كتابات إدوارد سعيد، وخصوصاً مرجعيه “الاستشراق” و“الثقافة والإمبريالية”.
هكذا، تأسست في مصر دار “رؤية”، مقرها كشك صغير يقع في حي سور الأزبكية، أشهر أماكن بيع الكتب القديمة في مصر. كان المشروع الأساسي لصاحبها رضا عوض إصدار أعمال إدوارد سعيد كاملة، إلى جانب إعادة طباعة الأعمال المصادرة في مصر. وأصدر من ترجمة محمد عناني “المثقف والسلطة”، ثم “تغطية الإسلام”، وأخيراً الكتاب الأشهر لسعيد وهو “الاستشراق” الذي يصدر في الذكرى الثالثة لرحيل المفكّر الفلسطيني البارز.
يعتبر إدوارد سعيد (1935 - 2003) أن الاستشراق ليس مجرد خيال أوروبي، «بل إنه كيان له وجوده النظري والعملي، واستثمرت فيه إمكانات كبيرة على مر أجيال، وهو ما جعل الاستشراق مذهباً معرفياً عن الشرق، من خلاله تحكمت الإمبريالية بمجال كامل من الدراسات والإبداعات والمؤسسات البحثية.
وقد وضع عناني، أستاذ الأدب الإنكليزي في جامعة القاهرة، عنواناً فرعياً جديداً للنسخة «المصرية» من كتاب «الاستشراق»، هو «المفاهيم الغربية للشرق»، فيما كان العنوان الفرعي لترجمة كمال أبو ديب قبل 25 عاماً «المعرفة. السلطة. الإنشاء». فهل نجح عناني في تجاوز أبو ديب، وفي الاقتراب من النص السعيدي، أم أنه ارتكب “مجزرة” جديدة؟
يوضح المترجم المصري أنه اشتغل على الطبعة الإنكليزية الثانية للكتاب كما صدرت في العام 1995، وفيها أضاف ادوارد سعيد فصلاً كاملاً عن وقع كتابه في الغرب وخارجه. كما أعاد النظر في بعض المسائل التي رأى أنها تحتاج إلى إعادة نظر، ورد على بعض منتقديه. ويذكر عناني أن اللغة العربية المعاصرة التي تترجم بها الكتب الأجنبية لغة حية ومتطورة، وقد شهدت خلال ربع القرن الماضي ــ عمر ترجمة أبو ديب ــ متغيرات لم تشهدها على مدار قرن كامل.
لكن هل تكفي هذه الدوافع لإعادة ترجمة “الاستشراق”؟ الطبعة المعتمدة صدر بعدها أكثر من طبعة، والفصل الذي أضافه سعيد عرّب مراراً، بل إن صبحي حديدي أصدره في كتاب. كما أن سعيد أعاد النظر في كثير من أفكار الاستشراق فى مقال كتبه قبل رحيله فى الاحتفال بـ 25 عاماً على صدور الاستشراق. لكن الأخطر هو أن عناني “عبث” بالنص الأصلي، وتدخل فيه، حتى إنه منح لنفسه الحق في حذف كثير من الفقرات التي رأى فيها إساءة للنبي محمد!