جورج موسى
ماذا ينقص الدراما اللبنانية كي تدخل مرحلة الاحترافية والنضج؟ قد يلقي بعضهم المسؤولية على عاتق الكتّاب، أو يلوم البعض الآخر شركات الإنتاج. لكن الجميع سيوافق على أن تقصير هذه الدراما سببه الأول افتقارها الى الجرأةواغفالها المشكلات الحقيقية للمجتمع... دائماً تبتعد الأعمال والبرامج على اختلافها، عن المناطق الحساسة ــ أي المهمّة! ــ تفادياً لإثارة نعرات طائفية هنا، وصدم المزاج العام المحافظ هناك، أو اثارة حفيظة أصحاب القرار السياسي والاقتصادي والروحي. هكذا تنتظر الدراما في لبنان، منذ سنوات، من يرفع التحدّي، و“يجرؤ” على نقلها إلى أرض الواقع... من ينزلها إلى الشارع، ويتركها ترصد معاناة الناس... هذا ما فعله قبل سنوات مروان نجار في “صارت معي” على LBC، إذ استند إلى مبدأ “تلفزيون الواقع”. استنبط قصصاً من واقع الحياة، كما عاشها أبطالها. وقام البطل الحقيقي للقصة بسرد شهاداته الحية، وتكامل السرد مع أداء ممثلين للقصة.
واليوم، تعود المحطة نفسها لتحتضن تجربة جديدة في مجال “دراما الواقع”، من خلال حلقات «قصتي قصة» التي يبدأ بثّها أواخر الشهر الجاري... صاحبا المشروع هما الممثلة دارينا الجندي والمخرج إيلي أضباشي، وقد بدآ التحضير له من فترة طويلة، أي حتّى قبل أن يفكّر مروان نجار بعناصر «صارت معي».
في أية حال لسنا هنا تماماً أمام عمل ينتمي الى “تلفزيون الواقع”. مشروع أضباشي يراهن على النوعية، مرتكزاً في شكل أساسي على تجربة هذا السينمائي التي بدأت عام 1974، وعمل خلالها مع سمير نصري ومارون بغدادي ويوسف شاهين وفولكر شلوندروف وفاروق بلوفة وغيرهم. وقدم عدداً من الأفلام الوثائقية والإعلانية قبل أن يعود إلى التلفزيون ويخرج فيلم “الرغيف” الذي حاز الجائزة الفضية لمهرجان قرطاج، ثم مسلسل “من برسومي” الذي عرض أيضاً على شاشة “إل بي سي”.
13 قصة تروي حياة رجال ونساء من لبنان. قصص مستوحاة من الواقع، شارك في وضع سيناريواتها كل من علي مطر، وسامر حجازي، وسمير سعد مراد، وعبودي الملاح. واعتمد أضباشي على أكثر من مدير تصوير، فيما حملت الموسيقى التصويرية توقيع زياد الرحباني. من معاناة امرأة روسية مع الشرعية التي ترعى أمور المسلمين في لبنان، إلى تحديات المجتمع المحافظ، ثم الاغتصاب والبرود الجنسي عند النساء، وتأثير قضايا الطلاق على علاقة محامي بزوجته، ثم سفاح القربى، وقصص حب بدأت في الحرب الأهلية ولم تنته بعد، إلى المساكنة والثورة على التقاليد، ووضع الخادمات الاجنبيات في لبنان، ومعاناة المتحولين جنسياً، ومطربات الموجة الجديدة، والإرهاب... حكايا تعتمد على رهان حقيقي يمزج بين شرائح المجتمع المتعددة وخصوصية الفرد ومسألة خرق المحظورات. وقد اختار أضباشي العمل مع باقة من أبرز الممثلات والممثلين على الشاشة وفوق الخشبة: دارينا الجندي وكارول عبود ورفيق علي أحمد وجوليا قصار وعمار شلق وطلال الجردي وكارول الحاج وباتريسيا نمور وندى أبو فرحات وبديع أبو شقرا ونيكولا معوض وفادي رعيدي وهشام بولس وغيرهم...
نذكر جيداً كيف كان مقصّ الرقابة قد امتد الى احدى حلقات مروان نجّار التي تتناول سفاح القربى، وأثارت حفيظة بعض الشخصيات السياسية آنذاك. يومها قال نجار: “العمل في برنامج درامي يعكس واقعنا أشبه بمن يعمل في حقل ألغام. مجتمعنا جسم هزيل يرتدي زياً زائفاً من الصراحة”. فهل أصبح اليوم المشاهد اللبناني، في ظل مناخ التحولات التي يراهن عليها بعضهم، أكثر تقبّلاً لهذا النوع من البرامج؟ هذا ما سنعرفه خلال أيام قليلة، مع بدء بث حلقات «قصتي قصة» التي تشكل رهاناً جديداً وجريئاً من رهانات إيلي أضباشي.