بيار أبي صعب
ليس إيليا سليمان من هواة توقيع العرائض والبيانات. يصنع أفلاماً، ويتركها تعبّر ،بنبرتها الخافتة، عن جيل وزمن ومرحلة. لذا فإن خروج السينمائي الفلسطيني عن صمته، له أكثر من دلالة ومعنى. في رسالة مفتوحة إلى أقرانه وزملائه وأهل الثقافة والاعلام في العالم العربي، يطلق صاحب “يد إلهيّة” صرخته الغاضبة. يطلب سحب اسمه من قائمة الموقّعين على البيان الذي وُزّع خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، وفيه يدعو عشرات السينمائيين والمثقفين من فلسطينيين ولبنانيين، إلى مقاطعة النشاطات التي تشارك فيها أو ترعاها دولة إسرائيل (www.pacbi.org ـ [email protected]).
ينسحب إيليا سليمان ليعبّر عن احتجاجه على ممارسات متسرّعة، بدرت عن مشاركين في البيان، وفيها من قلّة الوفاء الأخلاقي والمعنوي، بقدر ما فيها من الغباء السياسي والانحطاط الفنّي. ويشجب المخرج هذه الممارسات بحق “مخرجين إسرائيليين (أفراد) يعرفهم المقاطعون مناصرين للمقاومتين الفلسطينية واللبنانية (...) وأعمال هؤلاء تشهد لهم بذلك”.
الرسالة تذكّر، بشجاعتها وصراحتها، برسالة أخرى وجّهها السينمائي المصري يسري نصر الله قبل سنة تقريباً، عبر البريد الإلكتروني أيضاً، داعياً أقرانه العرب الى التضامن مع المخرج الاسرائيلي آفي مغربي، صاحب “لأجل عين من عينيّ”، بعدما رفض ابنه تأدية خدمة العلم في الجيش الاسرائيلي. يطمح إيليا بدوره الى لفت النظر الى هذا الصديق على الضفّة الأخرى. والى فتح النقاش حول مخاطر الإقصاء والتمييز والفصل الفكري العشوائي، والاستسلام لشوفينية ليست إلا “الجانب المظلم من الوطنيّة”.
يقول إيليا للسينمائيين العرب الذين عبّروا عن قصر نظر سياسي، وعن عنصريّة عمياء تجاه أفراد من الخندق الآخر وقفوا بنزاهة وبسالة الى جانبهم، إن “عملهم هذا هو الحجر الأساس الذي تُبنى عليه نقاط العبور والتفتيش (...) فيما تُعصب أعين الممنوعين من العبور ويُجبرون على الركوع في مواجهة الحائط”.
طفح الكيل عند إيليا سليمان بعدما هدّد سينمائيون من لبنان وسوريا وفلسطين، بمقاطعة الدورة التدريبية التي كانت تزمع إعطاءها السينمائية سيمون بيتون في برشلونة، فحملت الأخيرة حقائبها وجراحها وعادت من حيث أتت. سيمون صاحبة أحد أجمل الأفلام عن جدار الفصل العنصري (“جدار”). حققت أعمالاً لافتة عن محمود درويش، وعن أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش... ليس هناك أبشع من الضحية التي تروح تشبه جلّادها!