أمل الأندري
«غوغل» العربي تختلط عليه الأمور أحياناً، فإذا به ــ في بحثه عن جاهدة وهبه ــ يطالعنا بهيفا وكل من ينتمي الى عائلة وهبه! لكنّنا اليوم نبحث عن جاهدة... عثرنا عليها مساء الاثنين على شاشة «روتانا ــ موسيقى» في برنامج «على الوتر». غنّت عبد الحليم وفيروز، وفتنتنا في «كامل الأوصاف»... وانكسرت على كلمات أحلام مستغانمي في «أنجبني».
أمس القريب أيضاً، شدّت رحالها الى دار الأوبرا المصرية لتغني «بيروت لا تبكي» التي عاد ريعها الى ضحايا العدوان الاسرائيلي. وقبل هذا أو ذاك، غنّت العراق الجريح في «يا دجلة الذكريات» وفلسطين الجرح المفتوح. هكذا كانت جاهدة دوماً: «ملتزمة» في مختلف مراحل مسيرتها. ابنة البقاع الغربي (١٩٦٩) عرفت ما تريد منذ التاسعة، لقد اختارت بكل بساطة أن تكون نفسها وتقدم ما يشبهها: لكن المسألة لم تكن يوماً بهذه «البساطة»، والمعادلة التي اختارتها أبعد ما تكون عن السهولةعاشقة الحلاج اختارت «المقلب الخاسر» في هذا الزمن الرديء. فهي طالما أعربت عن استيائها من المستوى الذي بلغته الساحة الفنية. لكنّها لم تستسلم، بل ردّدت في مقابلاتها أنّ هذا زمن المقاومة أيضاً. المقاومة هي أن تحمل قصائد الحلاج وابن عربي الى الجيل الجديد، فتجعلها جزءاً من موروثه الثقافي والفني.
ربّما لم تخسر جاهدة المعركة، فالاسلحة التي في جعبتها عديدة ومنها صوت يستطيع «أن يرفع أي نص الى مستوى الشعر» كما قالت عنها الكاتبة أحلام مستغانمي. هكذا بدت جاهدة مساء الاثنين، وهكذا هي منذ ألبومها «طقاطيق» (٢٠٠٠) ومشاركاتها في العديد من المسرحيات منها «صخرة طانيوس» و «ايام رباعيات الخيام» و «أنشودة المطر.
مشروعها يقوم على مصالحة أبناء الجيل الجديد مع الماضي... وأبناء حضارتها مع الحضارات الأخرى... ووضع الموروث أمام امتحان المستقبل. وها هي في أسطوانتها الأخيرة «كتبتني» تغني أنسي الحاج (“لندع تلاقينا”) وغونتر غراس («لا تمضِ الى الغابة» و «أحذيتي الفارغة»)، ويلتقي عند موسيقاها الحلاج («إذا هجرتَ») وأبو فراس الحمداني («فليتكَ تحلو»)، وأمل جبوري ( «يا دجلة الذكريات») ولميعة عباس عمارة ( «قصيدة بيروت») وأحلام مستغانمي («أنجبني» و“كتبتني» و «مذهول به التراب»)... وصولاً الى طلال حيدر («يا ريت»). وقبلها، أصدرت «انغام في البال» فيها أدّت ام كلثوم ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي ووديع الصافي.
لا ترى جاهدة أن الموهبة وحدها كافية، صقلت صوتها. ودرست الغناء السرياني والبيزنطي والتجويد القرآني والغناء الاوبرالي، إذ لا بدّ، في رأيها، من «دراسة جامعية تتوج الموهبة، وتعطيها أبعاداً ثقافية، وتعمّق العلاقة مع الجمهور». ولا نبالغ إذا قلنا إن جاهدة وهبه تنتمي الى «فصيلة منقرضة» من الفنانين، أفرادها ما زالوا يحترمون جمهورهم!
مساء الاثنين، غنّت الفنانة على الشاشة الصغيرة، من كلمات غونتر غراس: “لا تكتب رسالة/ ستؤول الرسالة الى الأرشيف/ ومن يكتب الرسالة/ يوقّع/ على بقاياه». لكنّ جاهدة لم توقّع على بقاياها، بقدر ما تعمّدت بنار الشعر، هي صديقة الشعراء والعهود الجميلة الآفلة.
وبما أن الأمور تختلط على غوغل العربي، فقد كانت جاهدة من أوائل الفنانين الذين أنشأوا موقعهم الخاص على الانترنت، لتقدّم تجربتها وتلقّح الطرب الأصيل بآخر مكتسبات الأزمنة الحديثة! (www.jahidawehbe.com)