strong>اسطنبول ـــ شيرين أبو شقرا
كثيرون حاولوا تأدية أغاني كوكب الشرق في قالب جديد. منهم من فشل، ومنهم من استسلم في زحمة ما تشهده السوق الفنية اليوم. لم يبقَ في الساحة إلا أسماء قليلة صامدة بينها الفرنسية ـــ المغربية سافو، والإسرائيلية زهافا بن (وهذه مفارقة تستحق مقالة مستقلة)... وأخيراً الفلسطينية لبنى سلامة. آخر حفلات هذه المطربة الشابة أحيتها مع “فرقة الموسيقى العربية ـــ الناصرة” على خشبة مسرح “جمال رشيد راي” في وسط اسطنبول الأسبوع الماضي. ومع أنّ لبنى كانت تقوم بزيارتها الفنية الأولى الى تركيا، فإن الصالة التي تستوعب حوالى ألف شخص امتلأت بجمهور تركي متشوق لحضور حفلة “كلثومية” أصيلة.

صدف جلوسنا تلك الأمسية، في انتظار بدء الاحتفال، الى جانب مشاهدين عرب، فهمنا أنهم إعلاميون من دول مختلفة، جاؤوا الى الأمسية بدعوة من وزارة الثقافة التركية. سألونا عن الفرقة التي ستحيي الأمسية، فأوضحنا أنها مغنية فلسطينية شابة تؤدي أم كلثوم، وترافقها، حسب ما ورد في الصحافة المحلية، فرقة تضم عازفين مسلمين ومسيحيين و... يهوداً. عندئذ دبّ الذعر في أفراد الوفد الإعلامي العربي وقرروا مقاطعة الأمسية! وفيما كانوا يهّمون بالرحيل، تقدّم نحوهم منتج الفرقة إيلي غرونفيلد، مرحّباً بممثلي الإعلام العربي، وانهالت عليهم كاميرات الصحافة، فأجبروا على البقاء! تقدم عازفو الفرقة وجلسوا على شكل هلال: عازفا كمان، ناي، قانون، عود، تشيلّو، طبلة، رقّ وعازفة تشيلو. ثم دخلت لبنى إلى المسرح بعد المقدمة لتأدية أغنية “إنت عمري”.
كان عشاق كوكب الشرق تلك الليلة على أهبة الاستعداد لمعاقبة المغنية، لو خطر لها أن تسيء إلى التراث الكلثومي، أو تخيّب ظنهم. لكن لبنى أثبتت، بقدراتها الصوتية، أن في وسعها التحكم بالجمل الموسيقية الصعبة، وبالتلاوين والإعادات والتنويعات التي ينطوي عليها لحن محمد عبد الوهاب، كما أعطته ست الكل حياته ووجوده. حركاتها المسرحية كانت تحاكي أم كلثوم. من أول مقطوعة حتى ذروة السهرة، انتقلت الى الصالة عدوى ذلك الإحساس القوي بالأغنية واللحن لدى لبنى. وعلمنا لاحقاً أن جميع العازفين ـــ ومثلهم المغنية أيضاً ـــ كانوا خائفين من رد فعل الجمهور التركي المشهور بعلاقته الوطيدة بالموسيقى الأصيلة.
تأسست “فرقة الموسيقى العربية” ضمن مشروع المعهد الذي أسسه الموسيقي سهيل رضوان في الناصرة عام 1990، بهدف الحفاظ على التراث الموسيقي الشرقي وتطويره. ثم التقى الموسيقي الفلسطيني إيلي غرونفيلد الذي كان يؤدي “واجبه الوطني” في الخدمة العسكرية الإلزامية عام 1982، وشارك في الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فهاله عنف المؤسسة العسكرية التي كان ينضوي تحت لوائها. وقرر إن خرج حياً “من تلك الحرب القذرة أن ينذر حياته لنشر الموسيقى العربية في إسرائيل وفي العالم، تكفيراً عن ذنوبه ومن أجل السلام الحقيقي”. وفي منتصف الثمانينيّات، بدأت الفرقة تؤدي أغنيات فيروز وأم كلثوم وفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وصباح. وبعد النجاح التي لقيته الفرقة في فلسطين المحتلّة، بدأت جولاتها العالمية، فأقامت حفلات بدءاً من فرنسا، مروراً بإسبانيا وسويسرا وهولندا وانتهاءً بالولايات المتحدة...