نقولا طعمة
كل حياته “فلسفة خاصة”، وكل كلامه “فلسفة حياة”. وكثيرون يعتقدون أنه شبيه بطل رواية أرنست همنغواي “العجوز والبحر”، لكنه لا يزال يتمتّع بهمّة ونشاط كبيرين.
هو رامح نخول الحدّاد من بلدة أنفة الكورانية، ولد عام 1938. لا ينطق إلاّ بالأمثال ليتحدث عن أسلوب عيشه. يمشي رافعاً رأسه، مستقيماً بدون أي انحناءة في الكتف، والابتسامة لا تفارق ثغره.
وجوه الشبه بين رامح نخّول وشيخ همنغواي تتلخص في رأي محبيه بالبساطة، وحب البحر. لذلك غالباً ما يبقى في زورقه معتمراً طاقيّة العجوز، وبيده مجذاف، أو عصا طويلة يلتقط الأسماك بها، ثم يضعها في سلّة القصب قربه، يمضي بها إلى منزله، أو إلى العرزال الذي أقامه عند شاطئ البحر ليتمتّع بما يصطاده مع أصدقائه وابني شقيقه، ويقيم جلسات كل ثلاثاء وجمعة وسبت.
في ثغر بحريّ صغير على شاطئ بلدته، وعلى صخرة صغيرة لا تتجاوز أربعة أمتار مربعة، أرسى رامح العناصر الأساسيّة لعالمه الخاص: زورق منذ عشرين عاماً، وعرزال بحر بناه قبل نحو خمسة عشر عاماً.
يروي روايته المعتادة لقاصديه: “سألني بعضهم كيف أعيش؟ قلت لهم: امضوا معي في هذا الزورق. مئات قليلة من الأمتار في البحر، هناك ألقي “الشرحيطة” وفيها الصنانير العشر، مع الريش، تعلق عشر سمكات كبيرة نمضي بها النهار في العرزال”.
صنع رامح زورقه بنفسه، استخدم الحديد المطليّ بالأبيض. ووضع له محرّكاً يستعمله عندما لا يرغب في التجذيف. واختار صخرة على البحر مساحتها أربعة أمتار مربّعة، ركّز عليها قسطلاً عمودياً ضخماً من الأترنيت بقطر 120سنتمتراً يرتفع زهاء مترين عن البحر، وأسس على القسطل سقيفة هي أرضية العرزال، سقفها بالقش والقصب، وحوّل المكان إلى مخزن فيه لوازم العمل.
في العرزال، لا كلمة تعلو على كلمة رامح. على الزائر أن يمتثل لقوانين الضيافة التي وضعها “صياد أنفه”. على الزائر أن يتناول وجبة الغداء أو العشاء معه، والاستعجال ممنوع، يقول إن كثيرين ماتوا قبل أن ينهوا أشغالهم، لذلك على المرء أن يستمتع بحياته. والرحيل من عرزال رامح ممنوع على الزائر إلاّ إذا أنهى الأخير تناول “السمك والسلاطعين”.
يعشق رامح التنقل بين أصدقاء يجمعهم إلى مائدته، يحمل إلى هذا الجديد من المآكل التي اكتشفها، ويقدم الشروح عن حيوانات البحر التي يصطادها، ويعطي دروساً في كيفية تناول كلّ صنف من أصناف السمك وثمار البحر، ثم يُعرّف بصلصات خاصة، منها الثوم مع حشيشة البحر، لا تقدم في المطاعم.
يرفض رامح تقاضي المال مقابل ما يقدمه للآخرين، يذكّر بأن البحر كريم وأن عملية الصيد تكلفتها ليست مرتفعة.
الرجل السبيعني لا يهدأ، يعشق الاستئناس بالآخرين، يطرب لسماع المديح، لكنه قد لا يدرك وجوه المقارنة بينه وبين بطل الرواية الأميركية، قد يعجب إذا عرف أنه شخصية محببة، لكن “الأيام الصعبة” لم تدعه يكمل تعليمه، وهو بالطبع لم يقرأ روائع الكاتب الأميركي الشهير، ولا يعرف لماذا يلقّبه البعض بـ“همنغواي أنفه”.