بيار أبي صعب
جاءت سافو الى بيروت تقدّم ليو فيري هذا المساء وغداً. ليو فيري آخر عمالقة الأغنية الفرنسية موسيقياً وشاعراً ومغنياً، حاضر في وجدان أجيال متلاحقة في العالم، يؤمّون أغنياته كمن يحج الى «تلك البلاد التي تشبهنا» حسب قصيدة شهيرة لبودلير («دعوة الى السفر»).
زيارة سافو تذكرنا أن الفرنكوفونية في لبنان، تعيش حالة انحسار متزايد لا يكاد يفطن إليه أحد. الجمهور الذي يمكن أن يتجاوب مع فنّها وشخصيتها، معظمه هاجر الى اللغة الانكليزية والى الموسيقى الأنغلوساكسونية. والجمهور الذي ما زال «فرنكوفونياً» مئة في المئة، سيخرج إليها هذا المساء من الكهف الذي اعتكف فيه منذ دهر، أي منذ انتهاء الانتداب الفرنسي ربّما، منقطعاً عن الاتجاهات الطليعية والتجريبية التي أفرزتها الثقافة الفرنسية خلال العقود الماضية. وهذا الجمهور الذي توقف عند داليدا وألكسندر نجّار على الأرجح، يصعب على الجزء الأكبر منه أن يتذوّق أغاني الأسد العجوز الذي تبنّى شعار الفوضوي الروسي باكونين، هذا «الرفيق ـ الفيتامين» كما يغني ليو... تبنّاه ناموساً أبدياً: «لا إله... ولا سيّد!».
هكذا وجدت سافو نفسها بالأمس أمام ممثلين للصحافة الثقافية اللبنانية، غرباء تماماً عن تجربتها ومسيرتها وأغنياتها، ولا يعرفون عن ليو فيري المسكين سوى بعض العموميات والبديهيات التي لا تشبهه. وبدا الحوار مع الفنانة عقيماً وسطحياً ومخجلاً. مدرسياً وسياحياً. لم يتح لحظة فرصة الخوض في خلفيتها الثقافية المركّبة، ولا في خياراتها الفنية وعالمها الإبداعي الصاخب. بدت سافو هي الأخرى عادية ومضجرة. وقعت في فخّ بلادتنا المحلية. لم تتكلّم كما تحبّ عن فلسطين والمغرب والروك ويهوديتها ومحمود درويش وسيّد مكاوي. لم تتكلّم كما ينبغي عن ليو فيري.
حين سألناها كيف تتوقّع أن يتجاوب الجمهور هنا مع ذلك «الشاعر الملعون» poète maudit الذي ضرب عرض الحائط بكل القيم المحافظة، ورفض كل أشكال السلطة وتجلياتها؟ تعالت الاحتجاجات بين الحضور. «ملعون؟ لماذا ملعون؟»... اشرح لنا لماذا ملعون؟ حرام ليو، حرام عليك.
بئس الاستقبال لك يا سافو في بيروت. أنت وضيفك تليق بكما حفاوة أكبر. المرّة المقبلة إن شاء الله! الله؟ عفواً ليو!